-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

دين الله.. بين المضيّقين والموسّعين!

سلطان بركاني
  • 967
  • 0
دين الله.. بين المضيّقين والموسّعين!

يتداول الشّباب النّاشطون في نشر الخير على مواقع التواصل الاجتماعيّ كلمات حكيمة للداعية السعودي المبتلى عبد العزيز الطريفي، تختصر حقائق الدّين، وتشرّح بدقّة واقع الأمّة في هذا الزّمان، خاصّة ما تعلّق منه بالصّراع القائم والمحتدم بين الإسلام الموضوع في قفص الاتّهام وبين العلمانية الجاثمة على كرسيّ القضاء.. ولعلّ من أروع كلماته التي يُحتفى بها كثيرا، قوله: “الإسلام دين الرحمة والتيسير، ولا يوجد التضييق إلا عند ضيّق الفهم، أو عند واسع الهوى يُريد من الإسلام أن يتسع حتى يستوعب شهواته”.

هذه الكلمة القصيرة في مبناها البليغة في معناها، تضع اليد على موضع داء دويّ نخر جسد الأمّة في قرون مضت واستفحل في القرن الأخير، ولم يكد يسلم منه إلا من عصم الله، فمائل عن الهدي القويم إلى التفريط ومائل إلى الإفراط، وكلا الطرفين وقعا في حبائل الشّيطان الذي أخذ العهد ليجتالنّ بني آدم عن صراط الله المستقيم: ((قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيم)) (الأعراف: 16)، يقول ابن تيمية رحمه الله: “دين الله وسط بين الغالي فيه، والجافي عنه، والله تعالى ما أمر عباده بأمر إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين لا يبالي بأيهما ظفر، إما إفراط فيه، وإما تفريط فيه”.

لقد نحا بعض المسلمين -علماءَ وعامّة- منحى الغلوّ في فهم نصوص الشرع والعمل بها ومحاكمة الناس إليها، فانتشر التكفير وساد التبديع وعقدت المحاكمات الجائرة، حتى أصبح الانشغال بمحاكمة علماء الأمّة ودعاتها ومصلحيها تدينا عند بعض الشّباب الذين شُغلوا بمسائل الخلاف الجزئية التي رفعوها إلى مصاف القضايا الكلية الأساسية، وجعلوها محلا لعقد الولاء والبراء، قدوتهم في كلّ هذا دعاة وحتى علماء ضيّقوا الواسع وعاملوا الأمّة المرحومة معاملة الأمّة التي عوقبت بالأغلال والآصار، وظنّوا أنّ العلم ينتهي عند حدّ محاكمة واقع النّاس والحكم على أخطائهم، وليس الترفق بهم في إطار قواعد الشرع ومقاصده، وكان نهجهم هذا سببا من الأسباب التي أدّت بكثير من عامّة المسلمين إلى التهرّب من طلب حُكم الشّرع في كثير من المسائل والقضايا، لظنّهم أنّ الأحكام دائما ما تأتي مضيّقة ومعسّرة! وفي مثل هؤلاء العلماء والدّعاة وطلبة العلم النّاحين منحى التعسير والتشدّد قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله: “إنَّما العلمُ عندنا الرُّخصةُ مِن ثِقَةٍ، فأما التشديدُ فيُحسِنُه كُلُّ أحدٍ”.

بإزاء هؤلاء، طائفة اقتحموا ساحات العلم والتّنظير، ونحوا منحى مخالفا ظنّوا معه أنّ يُسر الدّين يعني اتّباع أهواء الناس غير المنضبطة، والنّزول إلى شهواتهم، وتطويع دين الله ونصوص الشّرع  لموافقة الواقع المنحدر في درك الفساد، بل إنّ منهم من يسعى جاهدا في ليّ نصوص الشرع وقواعده ليوافق أهواء الغربيين، بحجّة ترغيبهم في الدين؛ فظهر من تساهل في أمر الرّبا، ومن مطّط مفهوم الحجاب ليشمل الألبسة الضيقة والموضات الغريبة، ومن توسّع في إباحة الاختلاط بكلّ أنواعه وفي كلّ ميادينه، ومن ذهب بعيدا في إباحة العلاقات قبل الزّواج وشرعنة الزّواج المؤقّت، والتساهل في جريمة الإجهاض…

وهؤلاء على الرّغم من ضحالة زادهم في علوم الشّرع، فقد نصّبوا أنفسهم مفكّرين إسلاميين وانتسبوا إلى الفكر والعقلانية والحداثة ورفعوا شعارات التجديد وإعادة فهم النّصوص، وتولّى الإعلام الموجّه مهمّة التعريف بهم وتلميعهم، ففتنوا الأمّة في زمن طغيان الشّهوات، وأماتوا الوازع الدّينيّ في قلوب كثير من الشّباب وهوّنوا لهم مخالفة نصوص الشّرع بحجّة أنّها على غير ما يفسّرها به العلماء السّطحيون! وكان فعلهم في أمّة الإسلام لا يختلف كثيرا عمّا فعله أحبار اليهود الذين اتّبعوا أهواءهم وخالفوا شريعة موسى عليه السّلام، ثمّ حرّفوها لتوافق أهواءهم وفسادهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!