-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ذهبت أخلاقهم؟.. ذهبوا..

عمار يزلي
  • 1589
  • 2
ذهبت أخلاقهم؟.. ذهبوا..

ردود الأفعال الشعبية المحلية على بعض الإجراءات “المناهضة للتقشف” ظاهريا، “المناهضة للتكشف” باطنيا، تبدو وكأنها تمثل استفاقة صحوة المخمور الذي ظل لسنوات يعتقد أنه على بينة من الأمر وأن الدولة التي تعمل على رفع النكد عليه بعد سنوات الموت والخوف والجوع ونقص الأموال والثمرات، ما هي إلا عربون شكر وتقدير لشعب عانى ويلات عشرية مظلمة لن يتمنى أحد عودتها… إلا ممارسوها والمستفيدون منها.
المطمورون، عندما يعودون من حافة الموت، المسماة في اللغة العلمية NDE، أي “تجربة الاقتراب من الموت”، في كثير من الحالات، يعودون وقد رأوا كل شيء وسمعوا كل الأشياء وصاروا أكثر وعيا بما حصل لهم ما قبل “الموت”، سواء على سرير العملية الجراحية أم أثناء حادث سيارة أم أي وسيلة أخرى أوصلتهم إلى مشارف الموت.
نحن هنا، في مثل هذه الحالة، مثل هذه الحال. الشعب الذي أغمض عينيه على كل ما فرض عليه بالقوة والجبروت والخوف، صار يرى الأشياء أمامه تحدث، يتفاعل معها ليقبل بها لا ليرفضها، كتحصيل حاصل أو كأمر واقع بعد أن فقد إمكانية التغيير بيديه وبلسانه ثم حتى بقلبه.
بداية العودة إلى الاحتجاجات على صرف الأموال العامة في عز مطالبة الشعب بالتقشف ورفع الأسعار وسحب الدولة يديها من الدعم، على الغناء والمهرجانات النخبوية التي لا تفيد أحدا غير بعض رجال الأعمال والمستفيدين مباشرة من فتات هذه التظاهرات، هي بداية “فيقة” لدقيقة. غير أن هذا الفواق، لا يبدو أنه وفقط مناهض لتبذير المال العام على تظاهرات لا طائل من ورائها، في وقت تزدهر فيه البطالة ويعشش فيه فائض الثروة في أيدي أقلية، أقل ما يقال عنها إنها وصولية، مارست كل الحيل والمكر والدهاء والغسل والتهريب والتهرب الضريبي لتراكم رأسمال غير رأسمالي، بل فواق أخلاقي. إنه أكبر رأسمال فقدناه في معاملاتنا السياسية والاقتصادية والثقافية.. والدينية أيضا. الكل الأمني، سابقا، انتهك أخلاقيات العمل السياسي والإداري وحتى الممارسات الشعبية.
لقد فرضت أيام المحنة الكبرى على القرى الصغيرة المحافظة أن تقبل رؤية مخمرات تنبت كالفطر على مداخلها ومخارجها ووسطها، ما دفع السكان إلى مجابهتها حفاظا على الأخلاق العامة والحرمة، التي كانت تنتهك إداريا وسياسيا من خلال فتح مجال الحرية التجارية. هذا ما فعلته فرنسا بالضبط بداية من الأربعينيات من القرن 19، عندما بدأت تفتح المخمرات في أصغر القرى في القبائل الصغرى، ما دفع بالأهالي القبائل البواسل إلى الثورة ضد هذا الغزو الأخلاقي.. حتى قبل الغزو العسكري.
ما لا يفهمه كثير من الساسة والإداريين وحتى رجال الثقافة المشبعين بالثقافة الغربية، أن الجزائري الشعبي البسيط، قد يسكت عن الجوع وعن المرض والحقرة والظلم بكل أنواعه، لكن عندما تمس كرامته وأخلاقه وأسرته وأنفته ورجولته بمثل هذه الممارسات الاستفزازية في حق أنفه المجذوع، يفقد الصواب ويهب إلى الدفاع عن كرامته المهدورة وكبريائه المسكوب، المتمثل في ما يسمى بالشرف. شرف العائلة وشرف الأخلاق، وليس الدين بالدرجة الأولى. لهذا لا يجب أن يفهم الساسة والأمنيون أن رفض مثل هذه التظاهرات غير الأخلاقية المنافية حسب تصورهم لحرمة القرية والمدينة، وراءها التدين، بل وراءها الأخلاق العامة، والحشمة والوقار والمحافظة على التقاليد.. والدين جزء من هذه الثقافة الأخلاقية وهو يؤطرها لكن لا يحددها بالضرورة.
نحن إذن أمام مشكلة شرف وأخلاق ولسنا أمام مشكل تدين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • مواطن أخر درجة

    وأسفاه لقد أصبح التدين شبهة الكل يحاول إبعادها

  • Mohamed-tlm

    Le droit au divertissement et la détente culturelle est l'un des fléaux de l'État sociale et populaire Avoir une période de festivité est un symbole de l'ordre Dénoncer le gaspillage d'argent est la perfection d'une république Pratiquer les rites et cultes religieux ne concernent pas la majorité de la population et il ne manque pas de mosquée Qui est derrière les manifestations n'en est plus un ange voire des opportunistes de la naïveté de la population du sud Et on a peur qu'ils seront étiquetés par l'hypocrisie La résistance a de multiples façon:Le savoir/la compétence/la présence