-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رأيٌ في كتاب الرياضيات للأولى متوسط

أوحيدة علي
  • 7597
  • 0
رأيٌ في كتاب الرياضيات للأولى متوسط

قد لا يصدّقني أحدٌ من القراء إذا قلت: إن الرياضيات في عهد الإصلاحات وسيلة لتغليط الأساتذة، وتحنيط أذهان الطلبة، وتجميد أفكارهم. أما المختصون في الرياضيات فقد يتعجبون من قولي! لكن أقول للجميع: لا تحكموا على الكل من خلال الجزء، بل اقرأوا وتمعّنوا، ثم بعد ذلك استنتجوا واستخلصوا اعتمادا على أنفسكم لا على غيركم.

كل من يتصفح كتاب الرياضيات للسنة الأولى من التعليم المتوسّط يجد أن المؤلفين اعتمدوا على (المعرفة الحسية)، أي على الحواس. وهذه المعرفة تناسب تدريس الأطفال ما قبل سن الدراسة، والسنتين الأولى والثانية من التعليم الابتدائي، ولم يتعرضوا أبدا إلى (المعرفة البنائية) التي تعتمد على التفكير والاستنتاج واستنباط القواعد والخلاصات بناءً على أمثلة وأشكال أو عبارات بسيطة لتُستغلّ وسيلةً لبناء قواعد بمشاركة الطلاب، تتبعها وضعيات بنائية مجردة تؤكد ما تعلمه المتعلم في المرحلة الأولى، أي مرحلة الحسّية البنائية، ولتوضيح ما أقول بأسلوب عملي ميداني على سبيل المثال:

لقد تضمَّن هذا الكتاب أشكالا هندسية مرسومة في الكتاب وهي: المربع 4 مرات، المعين 5 مرات، المكعَّب 5 مرات، شبه المنحرف مرتان، متوازي المستطيلات 14 مرة، المثلث 32 مرة، الزوايا 69 زاوية مرسومة بأشكال مختلفة… والسؤال: ماذا نستنتج من هذه الأشكال المرسومة في الكتاب؟

لهذا لا يفكر الطالب، ولا يستغلّ قدراته العقلية، من تفكير، وتذكر، واستنتاج، واستنباط… بل يبقى مسجونا في أدنى مستوى تعليمي وهو الاعتماد على الحواس، خاصة حاسة البصر. والعجيب والغريب والمدهش والشاذ أن جميع كتب التعليم المتوسط مبنية على هذه المنهجية الحسية، والسؤال: هل هذا هو مستوى وخبرة ستة مفتشين مختصين في الرياضيات، أم أن هناك خطة لتبليد الأذهان، وتحنيط الأفكار، وتجميد القدرات العقلية؟!

أول استنتاج يتوصل إليه القارئ هو: أنه لا توجد منهجيةٌ واضحة، ولا توازنٌ بين الدروس، لأن هناك فرقا بين (2، 4، 5، 32، 14، 69). أضف إلى هذا فهذه الدروس كلها ليست لها أهدافٌ محدَّدة. ولذا كان مستوى الطلاب لا يتجاوز المعرفة الحسية التي يعتمد عليها الأساتذة في تدريس أطفال ما قبل سن الدراسة، والسنتين الأولى والثانية من التعليم الابتدائي. لأن هذا الكتاب يرسم جميع الأشكال المذكورة، ويطالب الطالبَ بالبحث عن المحيط أو المساحة أو المفهوم، أو الجواب بعد ملاحظة الشكل ببصره. وهذه الطريقة تجمِّد ذهنه وتحنُّطه، وتجعله يكره الرياضيات، لأنها تعتمد على الحواس فقط، وإذا قدَّمنا إليه وضعية من دون رسم يضطرب ويقلق ويثور لأنه لم يتعوّد على الوضعيات المجرّدة. وهذا ما حدث في امتحان شهادة التعليم المتوسط دورة جوان 2021 عندما قدّم للطلبة وضعية تتضمّن متوازي المستطيلات من جهة، وإحدى عشرة عملية مختومة بسؤال واحد في صيغة الأمر، مما اضطر الوزارة إلى تغيير سلم التنقيط ليتوقف الاحتجاج، ثم سكت الكل: الوزارة، والمفتشون، والأساتذة، والنقابات. في حين كان على الوزارة أن تأمر بتشكيل لجنة على مستوى كل ولاية لتعرف المشكل وتتفاداه في المستقبل، عجيب لهذا الكل الذي لا يتحرك إلا بإشارة أو إيحاء أو أمر أو إيماء…

ولكن القارئ مهما كان مستواه يتساءل ويقول: كيف يتم تدريس الأشكال التي ذكرتها؟ فأقول للكل: اقرأوا بتمعن وفكروا في الطرائق التالية:

l الزوايا: التي بلغ عددها 69 زاوية، وهو أمرٌ يدعو إلى الدهشة والحيرة! لأنها أصبحت ضمن الإنشاءات الهندسية، وهذا المجال لا تتعدى دروسه 8 أو 9 حصص، ورغم هذا، فمن الأفضل أن يرسم الأستاذُ الشكلَ الذي يحقق الهدف، وعلى سبيل المثال، فهدف هذا الدرس هو: الزاويتان المتبادلتان داخليا- الزاويتان المتقابلتان بالرأس- الزاويتان المتماثلتان- الزاويتان المتكاملتان، وبعد أن يفهم الطلاب هذه المفاهيم والزوايا المقصودة بناءً على الشكل، وما يقدِّمه الأستاذ من شرح، يقدِّم إليهم وضعيات مبنية بناءً مجردا ليدفعهم إلى التفكير ويتأكد من الفهم والاستيعاب، مثل الوضعية التالية: -ارسم مستقيمين متوازيين (AÀ) و(BB’) والمستقيم (ED) قاطع لهما في (MC) ثم عيّن ما يلي: -زاويتين متبادلتين داخليا، وزاويتين متكاملتين، وزاويتين متقابلتين بالرأس، وزاويتين متماثلتين، وزاويتين متبادلتين خارجيا، فهذه الوضعية تدفع الطالب إلى التفكير، وتذكُّرِ المعلومات السابقة، والربط بينها وبين ما تعلم وما قدّم له في الدرس، لأنه هو الذي يقوم بالرسم، ولا يستطيع الرسمَ إذا لم يفهم شكل التوازي، ولا يتمكن من الإجابة الصحيحة إذا لم يفهم أشكال الزوايا والفرق بينها، ومن هذه الوضعية وغيرها يؤكد الأستاذ المعلومات التي طالها النسيان فيدعمها ويتأكد من فهمها واستيعابها. وعليه يمكن القول: إن هذه هي المقاربة البنائية، ولأنها تنطلق من المحسوس أو شبه المحسوس إلى المجرد الذي يدفع المتمدرس إلى الاعتماد على أفكاره ومعلوماته المكتسبة من الدروس السابقة.

أما الكتاب المقرر والمذكور في العنوان، كل أنواع الزوايا مرسومة، وما على الطالب إلا أن يلاحظ الشكل ببصره ويستنتج ما طُـلب منه، أو الإجابة عن السؤال. وهذه المعرفة هي المعرفة الحسية التي نعتمد عليها في التحضيري والسنتين الأولى والثانية من التعليم الابتدائي، ولهذا لا يفكر الطالب، ولا يستغلّ قدراته العقلية، من تفكير، وتذكر، واستنتاج، واستنباط… بل يبقى مسجونا في أدنى مستوى تعليمي وهو الاعتماد على الحواس، خاصة حاسة البصر. والعجيب والغريب والمدهش والشاذ أن جميع كتب التعليم المتوسط مبنية على هذه المنهجية الحسية، والسؤال: هل هذا هو مستوى وخبرة ستة مفتشين مختصين في الرياضيات، أم أن هناك خطة لتبليد الأذهان، وتحنيط الأفكار، وتجميد القدرات العقلية؟!

l شبه المنحرف: لا أدري لماذا تطرّق المؤلفون مرتين فقط لشبه المنحرف. وكل مرة يرسمون شبه المنحرف ويعيّنون مقاييس بعض أطواله، ثم يطالبون الطالب بالبحث عن المساحة عن طريق الملاحظة بالبصر فقط، ولم يبيّنوا له القاعدة الكبرى، والقاعدة الصغرى، والارتفاع. أو يقدّمون له القواعد التي يتوصل بها إلى المساحة، أو الارتفاع، أو القاعدتين، أو القاعدة الكبرى أو القاعدة الصغرى، والسؤال: إذا لم نقدّم له هذه المفاهيم والقواعد، فمتى نقدمها له؟ لأنها هي الوسيلة الوحيدة للمقاربة الحسية البنائية؛ أي عن طريق رسم الشكل، وتقديم المفاهيم الخاصة به، ليستنتج الطلاب -بمساعدة الأستاذ- القواعد اللازمة، وفي غياب هذه القواعد لا يتمكن أي طالب من حل الوضعيات البنائية المجرَّدة مثل:

1- ما مساحة شبه منحرف قاعدته الكبرى 24م، والصغرى 15م، وارتفاعه 8م.

2- ابحث عن ارتفاع شبه منحرف مساحته 2660م2، وقاعدته الكبرى 65م، والصغرى 30م… إلخ، بالنسبة لجميع القواعد.

l المثلث: ما الهدف المقصود من إدراج 32 مثلثا دون التعرُّض إلى القاعدة والارتفاع وكيفية البحث عن المساحة، أو الارتفاع، أو القاعدة. ومتى يتخلص من الاعتماد على حاسة البصر فقط؟ ومتى يستغل وينمي قدراته العقلية؟! ولكن ربَّما بعض القراء يتساءلون: كيف يقدِّم الأستاذ المثلث؟!

بعد أن يرسم الأستاذ مثلثا على السبورة، يبيّن لهم الارتفاع والقاعدة، ثم يستنتج معهم كيف يجدون المساحة، أو الارتفاع، أو القاعدة، ثم يقدّم لهم وضعيات بنائية مجردة، أي خالية من الرسم ليتأكد من الفهم والاستيعاب مشابهة للوضعيات التالية:

1- مثلث قاعدته 10م، وارتفاعه 5م، أوجد مساحته.

2- قطعة أرض مثلثة الشكل قاعدتها 30م، ومساحتها 300م2، أوجد ارتفاعها.

3- حديقة مثلثة الشكل مساحتها 1350م2، وارتفاعها 45م، أوجد قاعدتها. والكتاب المدرسي خال من هذه الوضعيات وما يشابهها في كل الدروس. ومن أراد أن يتأكد فيقدم هذه الوضعيات لطلبة السنة الرابعة من التعليم المتوسط ليعرف مستواهم الحقيقي!

l متوازي المستطيلات: لابد من رسم شكل متوازي المستطيلات، أو تقديم صورة كبيرة لشكله مع تبيان للطلبة الارتفاع، والطول، والعرض، والقاعدة، ثم يتم استنتاج القواعد التي لها علاقة بهذا الشكل مع استغلال أرقام وأعداد بسيطة دون فاصلة، لأن الغرض والهدف هو التوصُّل إلى القواعد الخاصة به مثل: محيط القاعدة- مساحة القاعدة- المساحة الجانبية- المساحة الكلية-حجم متوازي المستطيلات، تتبعها تمارين بسيطة، ثم يقدم الأستاذ وضعيات مصاغة وفق المقاربة البنائية مثل:

1-قسم متوازي المستطيلات طوله 9م، وعرضه 7م، وارتفاعه 3م، أوجد المساحة الجانبية، ثم المساحة الكلية.

2- حوض متوازي المستطيلات طوله 5م، وعرضه 2.5م، وارتفاعه 3م، احسب سعته باللتر، ثم بالهكتولتر.

3- أراد تاجرٌ أن يُلبس جدرانَ دكانه على شكل متوازي المستطيلات بورقٍ ملوَّنٍ طوله الداخلي 5م، وعرضه 4.5م، وارتفاعه 2.5م ومساحة بابه 6م2.

أحسب ثمن الورق الملوَّن إذا كان ثمن المتر المربع منه يساوي 120دج.

هذه الوضعيات الأخيرة تشابه الوضعية التي احتجّ عليها الطلاب على المستوى الوطني، واضطرت الوزارة إلى تعديل سلم التنقيط. والسبب المباشر أن كتب الرياضيات في التعليم المتوسط أهملوا القواعد والوضعيات المركبة، أي تتضمن عشرة أو أكثر من عملية بسؤال واحد، ولهذا تدنى مستوى الطلاب في الرياضيات والسبب المباشر والرئيسي هو الكتاب المدرسي، الذي لا يحق لنا أن نطلق عليه اسم كتاب، كما لا يحق أن نقول: إن هذا الكتاب ألفه ستة أساتذة مختصين في الرياضيات. والسؤال: هل هذا هو مستواهم الحقيقي وخبرتهم الميدانية، أم أنهم ساروا وفق توجيهات هدامة للأجيال؟ ومن يرى غير هذا عليه أن يرد، وأحسن رد هو عنوان المقال الذي كتبه الأستاذ خير الدين هني يوم 22/02/2022 عنوان لخص شكل ومضمون الكتاب المدرسي بقوله ((اختيار المؤلفين يصنع جودة الكتاب المدرسي)). وعلى ضوء ما تقدم فالإصلاح التربوي الناجح يبدأ من الكتاب المدرسي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!