الرأي

راحت “الياقوتة الحمراء”

حسان زهار
  • 4085
  • 16
ح.م

ما حدث للتيار الوطني الأصيل، وهو يبحث عن الياقوتة الحمراء، بين الطلاسم وركاب العقل المغيب، هو ذاته ما وقع للعاشق الولهان الذي ذهب يستقرئ حظه عند قارئة الفنجان.

ما حدث لهذا التيار المجبول على البحث عن الياقوت وسط الركام، وعن المرجان وسط الحطام، هو ذاته النهاية المأساوية لذاك العاشق الولهان، مع قارئة تقرأ المستقبل في خطوط الفنجان، وهي تخبره بأنه سيفتش عن محبوبته (في كل مكان، وسيسأل عنها موج البحر وفيروز الشطآن)، لكنه (سيعرف بعد رحيل العمر بأنه كان يطارد خيط دخان).

لقد استيقظ الباحثون عن الأوهام وسط الأحلام، على حقيقة صادمة، أن كل الذي قيل عن “جوهرة” لم يخلق الله مثلها، في الأولين ولا في الآخرين، قد تبخر مع أول اعلان لسلطة الانتخابات عن قائمة الفرسان المرشحة، حيث لا جوهرة ظهرت ولا ياقوت، إلا ما كان من فضة وقصدير وحجر غير كريم وطين وحمإ مسنون!

استيقظ “المغرر بهم” في الاتجاه الآخر من المعركة، على أنهم خدعوا، وهم الذين اتكلوا وتواكلوا على ظهور فارس على ظهر جواد أبيض بأجنحة تغطي وجه السماء، تدفع به اليهم العناية الإلهية، لكي يتوجهوا جميعا للانتخاب عليه وتتويجه رئيسا عليهم، وهم في غمرة من أمرهم لاعبين.

الحيلة انطلت على الكثيرين، تركوا مجال التدافع السياسي الحقيقي، تركوا الميدان وسكنوا دكاكين “الفيسبوك”، ثم منعوا المبادرات، وسخروا من كل المترشحين، لأنهم لم يحملوا في جيبهم شهادة اثبات المعدن، واتفقوا أن كل الذين تقدموا انما هم من معدن مغشوش، ولا خير فيهم.

اين البديل؟ لا بديل حتى الأيام الأخيرة من آخر أجل لتقديم ملفات الترشح، انتظروا أن يخرج لهم “المرشح المنقذ”، مرشحا باديسيا نوفمبريا، من كوكب لا ينتمي إلى هذه المجرة، حتى يصطفوا خلفه جنودا مجندين، ونسوا أن المؤسسة العسكرية أعلنت مرارا وتكرار، أنها لا تملك اي مرشح، وأن على الشعب ونخبه الحية، أن تتحرك قبل فوات الأوان.

وها قد فات الأوان، ولا ياقوت ظهر ولا مرجان، وبدأ العويل والنحيب والنكران، وشيئا فشيئا، ستتوجه الجموع المغيبة، المجبولة على الرفض والبهتان، إلى تكرار نفس الأخطاء الفادحة التي سبقت، وقد اتجه البعض فعلا بعد الصدمة، الى زبانية الرفض المطلق لكل شيء، لطلب صكوك الغفران، بينما بقي البعض جامدا من هول الصدمة، لا يدري الى أي باب يتجه، ولا ناحية اي مرشح ستقذف به سفن التيهان.

واعتقادي أن أكبر خطإ، سيرتكبه مجددا، الذين ضيعوا الياقوت والمرجان، هو البقاء طويلا مرة أخرى، في حال الدهشة وعدم القدرة على اختيار أحد الفرسان، من الخمسة الذين كانوا أكثر واقعية في العمل السياسي، وعدم القدرة على فرض شروطهم في لعبة التفاوض هذه، والذهاب مشتتين مرة أخرى الى الانتخابات، لتتوزع أصواتهم على الجميع، ويخسروا في النهاية كل شيء، ويروح كما يقال في المثل (بالقط بالشريط).

الفشل في اختيار مرشح توافقي والدفع به إلى الواجهة، لا يختلف في جوهره، عن الفشل في اختيار رجل من الخمسة، مع فرض شروط الدعم والإسناد.

وجريمة الفشل في تقديم مرشح واحد تسنده الملايين، لا تقل عن جريمة الفشل في الاختيار والمفاضلة بين (أفضل السيئين)، وبالتالي القبول بكارثة تشتيت أصوات الوعاء الانتخابي الأصيل.

ففي النهاية، العقل والمنطق يقولان، اذا راحت الياقوتة الحمراء، وهي التي لم تكن أكثر من وهم جميل، فلنجتهد في انقاذ الوطن ولو بقلادة من فضة، وذلك اضعف الإيمان.

أما الياقوت الأحمر، والجواهر الحسان، فسنكتشفها في باطن هذه الأرض المعطاء، حين نشمر على سواعد الجد، ونبدأ بعد انتخاب الرئيس، في المعركة الحقيقية ضد الجهل والتخلف والعيش وسط الطلاسم والأساطير.

مقالات ذات صلة