الرأي

رجال، أبناء، أحفاد

بعث المجرم الجنرال بيجو رسالة إلى بعض أجدادنا في نواحي معسكر يدعوهم فيها إلى الاستسلام، فردّوا عليه برسالة طويلة جاء في آخرها “وهب أنكم استوليتم عليها – الجزائر- وأقمتم فيها ثلاثمائة سنة مثل من ملكها قبلكم فإنكم لابد أن تخرجوا منها كما خرجوا، وتمسوا كأمس الذاهب، والدهر هكذا واهب ناهب”. (محمد بن الأمير عبد القادر: تحفة الزائر 1/481.ط. دار الوعي. الجزائر).

قدّر الله – عز وجل- أن يغلب أجدادنا من طرف أولئك المعتدين، ولكن أجدادنا كانوا يوصون أبناءهم باسترداد وطنهم، والثأر لشرفهم، وتطهير بلادهم من رجس الفرنسيين، مؤكدين لهم أنهم من بعد غلبهم سيغلبون، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

آمن الجزائريون جيلا بعد جيل، رجالا وأطفالا، حرائر وأحرارا أن “فرنسا هي منبع شقائهم”، وداء أدوائهم، فاستمروا يجاهدون، ثأرا للعرض وتطهيرا للأرض. ودفعوا من أجل ذلك الكريم من الرجال، والنفيس من الأموال، ولم يفقدوا مثقال ذرة من الآمال، حتى في أسوإ الظروف والأحوال، حتى وضعوا أنف عدوّهم في الأوحال..

في جانفي من عام 1952 ذهب الإمام الإبراهيمي على رأس وفد من كرام الجزائريين إلى باريس للقاء ممثلي الدول العربية والإسلامية في الأمم المتحدة التي عقدت دورتها العادية في تلك السنة في باريس، بهدف تعريفهم على القضية الجزائرية وحثهم على طرحها على أنظار العالم.

أقامت شعبة “جمعية العلماء” حفلا على شرف أولئك الممثلين، وألقى فيهم الإمام الإبراهيمي خطابا “إبراهيميا”، مبنى، ومعنى، ونكهة، ورجولة. ومما جاء في ذلك الخطاب الرجولي: “… وإن بعض اللسان لخطيبا صامتا هو السنان، وإننا لرجال، وإننا لأبناء رجال، وإننا لأحفاد رجال.. وإن فينا لقطرات من دماء أولئك الجدود، وإن فينا لبقايا مدّخرة سيجليها الله إلى حين”. (جريدة البصائر في 18 فبراير 1952. وآثار الإبراهيمي ج 2 ص 466).

وجلّى الله – العلي القدير – تلك البقايا المدّخرة في 5 ربيع الأول من عام 1374 هـ (1 نوفمبر 1954)، ونطق السّنان بعدما صمت اللسان، وتكلم الرصاص فما يتاح كلام، وجرى القصاص فما يباح ملام، وأقسم الرجال، والأبناء، والأحفاد أن يثأروا للشرف، وأن ينتقموا للسّلف، وأن ينتزعوا “الفصّ من اللص”، ويعيدوه للخلف، بعد أن يمحوا “آية” بيجو، ولافيجري، ودو فوكو، ودوغول، وبيدون القائلة بلسان الحال والمقال: “الصليب سيحطم الهلال” “La croix écrasera le croissent”، بآية “وإن جندنا لهم الغالبون”، وهنّأوا “محمدا – صلى الله عليه وسلم- بأن “الجزائر رجعت ليك”،.. ثم إلى “الأحفاد” على أنفسهم أن يحرروا “جماجم ورفات” الأمجاد في “متحف العار” فيما تسمى “مدينة النور”، وهي التي لم تنشر إلا الظلام، وكان هذا التحرير لتلك الجماجم والرفات في يوم الجمعة 3 جويلية 2020.. وإنني باسم كل شريف في الجزائر من الخلف والسلف أناشد الأخ عبد المجيد تبون أن يحرر اسم بلدنا من “ALGERIE” ويعيده إلى أصله “الجزائر”، ويواصل سعيه – مع الأخيار والأبرار – لتحقيق ما طلبه المناضل محند الشريف ساحلي وهو “Décoloniser l’Histoire”.

وقد دعوت إلى هذا في مقال نشرته في “الشروق” في 4-7-2013، ولكن آذان “العصابة” كانت “صماء”، وأعينها كانت “عمياء”، وعقولها كانت “مستعمرة”، فهل تنسخ ياسي عبد المجيد في عام 2020 ما أفسده وزير الدفاع الفرنسي شنايدر في 14 أكتوبر من سنة 1839؟ ذلك رجاؤنا.

مقالات ذات صلة