-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الجزائر وقضية فلسطين في مقابل دول التطبيع

ردا على سعيد سعدي!

د.مراد كدير
  • 1822
  • 1
ردا على سعيد سعدي!
ح.م

لطالما كانت الجزائر بشعبها الأصيل وموقفها الرسمي المشرف قلعة عصية على الاختراق الصهيوني سوى بعض المحاولات الشاذة النكرة النادرة التي تستخدمها القوى الصهيونية لكسر الحواجز النفسية الصلبة المرسخة في وجدان وضمير ووعي الشعب الجزائري عبر التاريخ.  هذا الضمير الجمعي الأصيل الذي نقشه بعمق الارتباط الديني العقدي منذ أن دخل الإسلام لحاضرة الجزائر، وحافظ على هذا الرباط الأجداد عبر موروث حضاري إنساني متراكم أنتجته العقول والقلوب الجزائرية الزائرة والمرتبطة بجغرافية فلسطين والأرض المقدسة.

لم يمنع الاستعمار الفرنسي بأدواته الإستدمارية التخريبية محو هذا الرباط والارتباط بالمسجد الأقصى المبارك بل أكسبه بعدا نفسيا جديدا ساهم في عصرنا على الحفاظ على قداسة قضية فلسطين نتاج ما خلفته الآلة الترهيبية الفرنسية من إحساس بمرارة انتزاع الحرية وسرقة الوطن، أنتج ذلك نفسا شعبيا جزائريا ثوريا تحرريا ينطلق من الايمان وضرورة الجهاد وحب الوطن وطلب الشهادة الذي فجرته ثورة أول نوفمبر المجيدة.

لطالما كانت هذه القلعة الصلبة وهذا الاجماع الشعبي الجزائري حول قضية فلسطين ورفض التطبيع مع كيان محتل شوكة في حلق الكيان الصهيوني لكن ذلك لم يمنعه من وضع الخطط لترطيب ردة الفعل الجزائرية الصادمة كل مرة عند محاولة الاختراق.

اذ تعتبر الجزائر أحد الاهداف الاستراتيجية التي عملت عليها الالة الفكرية والثقافية والإعلامية والسياسية الصهيونية ولازلت.

واليوم أمام وصول التطبيع الى المنطقة المغاربية بعد تطبيع المغرب الرسمي مع الكيان الصهيوني، فإن تطويع الجزائر وراء ذلك يبقى الهدف المركزي لهذه الانتقالة من الخليج للمغرب الكبير.

قبيل تطبيع النظام المغربي غير المفاجئ، لاقت الالة الصهيونية وحلفائها في الداخل والخارج الجواب الحقيقي عبر ردة الفعل القوية لرفض أي اختراق للكيان الصهيوني وشرعنة احتلاله للأرض المقدسة تحت أي شكل من الأشكال. تحركت الأدوات الخاملة لتبرير المحاولة التطبيعية الرياضية إلا أن الوعي الجمعي الجزائري كان واضحا وصريحا في الرفض القاطع لكن ذلك لم يمنع من تسرب فئة قليلة من الرافضين للكيان الصهيوني مبدأ من الانفلات بلا وعي ملتقمة الطعم تحت مبرر العقد الاحترافي والإكراه الرياضي.

بعد تطبيع النظام المغربي كانت ردة الفعل الشعبية الجزائرية من جهة والرسمية من جهة أخرى وفية للموقف المبدئي الذي رسخته العقيدة والتاريخ والثورة الجزائرية المجيدة، فكان حجم رفض الخطوة جارفا مما جعل العديد من الأبواق التطبيعية أو لنقل الراغبة في التطبيع تدخل جحورها خوف من الاحتراق بنار الرفض الشعبي .

نعم، ذلك ما أكدته التغذية الراجعة التي خرجت على شكل مقال لسعيد سعدي بعنوان ” المغرب و “اسرائيل” (الكيان الصهيوني)، فلسطين ونحن” الذي نشرها عبر حسابه يوم أمس (الجمعة 18/02/2020).

من المفيد جدا تحليل المقال والرد على العديد من النقاط المذكورة كأداة للتغذية الراجعة حول رؤية بعض النخب المنسوبة للحداثة المستعدية لقيم الشعب الجزائري والتي تعتبر  ميدان محاولات التطبيع كما أكدته المحاولات السابقة للاختراق في الجزائر وكما نراه يقينيا في الاقطار المطبعة من سعي هذه الأقلية الفاعلة المسلوبة حضاريا المدعومة لتكون حصان طروادة لتبرير التطبيع.

ولا ننسى أن خطر التطبيع هو في القلب صناعة للإنسان الابتر الأجوف، إنسان مبتور الذاكرة التاريخية والموروث الحضاري ومبتور عن قيم المجتمع ومبتور عن مبادئه الأصيلة التي تميزه عن غيره وهو المتحقق ابتداءً في أولئك.

تظهر الخيبة واضحة في مقال سعيد سعدي الذي قال في السطور الأولى “بعد مرور خمس أيام من تطبيع العلاقات بين “اسرائيل” والمغرب، بعيدا عن بيانات أحزاب النظام التي يعود منطق شعاراتها لسنوات السبعينات، لم يخرج المثقفون والسياسيون الجزائريون بمواقف وأراء واضحة للعلن على الرغم من الاثار الانية الاقليمية لقضية شغلت وسائل الاعلام الإعلامية.

بعيدا عن حصر النخبة المثقفة والسياسية في فصيله الأيديولوجي  ونسبة التيارات السياسية والمجتمعية الرافضة للتطبيع للنظام ولو أن العديد منها لا يوافق النظام بهدف التشويه ومحاولة التورية على آراء العديد من الأحزاب والمؤسسات المجتمعية الأصيلة في المجتمع الجزائري المتماهية معه في رفضه للتطبيع، إن حديثه أن شعارات هذه النخب الثقافية والسياسية التي أرقته تعود إلى السبعينات لا ينفك عن عقدة متجددة تحبذ دائما النخب التي تسمي نفسها “الحداثية” الهروب إليها من الواقع المحافظ على قيمه وموروثه التاريخي محاولة تعقيد أصحاب القيم الأصيلة بدعوى الرجعية.

المؤكد في مقال سعيدي أنه رغم كلما ما ذكره، إلا أنه لم يستطع رغم قناعته أن يرفع السقف إلى القبول بالتطبيع رغم التلميح لذلك على استحياء في قلب المقال تحت دعوى لعب الجزائر دور الرجل “الناضج” في المفاوضات بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية.

وقد يكون ذلك لأسباب عدة نذكرها لاحقا لكن يتصادف مع ما أكدته الاستراتيجية الصهيونية المقتنعة بعدم جدوى التطبيع بشكله الحالي في الجزائر وفشلهم الذريع لتمريره لدولتين هما الكويت والجزائر ، وقد عبرت عنه المنابر الصهيونية بدقة عبر بوق الخطط الديبلوماسية الرقمية الصهيونية “ايدي كوهين” في تغريدة على تويتر  “أول من أمس الإمارات والبحرين أمس السودان واليوم المغرب وغدا العراق وليبيا والسعودية،أما بالنسبة للجزائر والكويت فلا نريد الطبيع معهم”.

لذلك آثر سعيد سعدي عاقلا واعيا أو صدفة بدون وعي سلوك نفس استراتيجية الكيان الصهيوني التراكمية الهادئة مع تلك الشعوب العصية على التطبيع عبر الاستمرار في قطع الاتصال بين الشعوب الاسلامية وبالخصوص الجزائر وبين قضية فلسطين، عبر تشويه القضية والفصائل المقاومة المعبرة عن تطلعات وآمال الشعب الفلسطيني وبشائر القران لتحرير بيت المقدس وفلسطين.

نرى ذلك جليا في بعض الافكار التي سردها الدكتور سعيد سعدي تباعا والتي تتصادف مع الشبهات الصهيونية الهادفة لكي للوعي وتسكين المناعة الايمانية والفكرية للمجتمعات الاسلامية والمجتمع الجزائري بالخصوص.

قد أتفق مع سعيد سعدي في قوله أن  بعض الأنظمة العربية تحاول القفز على فشلها الداخلي بالاستثمار في العاطفة الجياشة الصادقة للشعوب اتجاه فلسطين، وبعيدا عن كون الشعوب المرتبطة بفلسطين هي نفسها التي خرجت في العديد من الأقطار  للبحث عن الحرية والعدالة والتمكين لإرادة الشعوب وأن ارتباطها بفلسطين لم يكن أبدا مانعا من محاولة التخلص من الطغاة الذين يديمون وجودهم بالارتماء في حضن الغزاة وعلى رأسهم الكيان الصهيوني، بل الأوجب ذكر أن الالة الصهيونية كانت تسعى دائما إلى قطع الارتباط بين فلسطين والشعوب الاسلامية بدعوى القطرية السايسبكية والانعزال في جغرافية الوطن والانشغال به عن فلسطين وعن ما يحدث حوله وكأنه جزيرة منعزلة عن التغيرات الإقليمية.

فلذلك إن كان كلام سعيد سعدي حق فهو يراد به باطل هو عزل قضية فلسطين لا الوقوف مع الشعوب ضد المستبدين.  بالتالي القناعة التي تؤمن بها الشعوب أو يجب أن تؤمن بها أنه لن يمنعنا حفاظنا على قيمنا ومقدساتنا من الانشغال ببناء الوطن والنضال من أجل الحريات وبناء دولة الحق والعدل، وهل حقق من ترك المقدسات تحت دعوى بناء الوطن غايته بعد؟

يقول سعيد سعدي : ” إن فلسطين من الناحية الواقعية منقسمة أيديولوجيا وسياسيا بين نظامين في غزة والضفة الغربية ”   لكن ينسى أن يقول أن الكيان الصهيوني الذي احتل الأرض هو الذي قسم الجغرافية الفلسطينية لا الفلسطينين، كما أن الكيان الصهيوني سعى مثلما تسعى الدول الاستعمارية مثل قامت به  فرنسا عندنا على تشكيل نظام سياسي يقمع المقاومة ويزينه بالأوصاف ويقدمه كممثل للشعب، فالسلطة الفلسطينية التي طبعت العلاقات مع الكيان الصهيوني في قلب الانتفاضة الأولى كانت من أجل صناعة قيادة خاضعة للرؤية الصهيونية منسقة أمنيا معها بعيدة منقطعة عن لهيب الشعب المنتفض.

يقول سعيد سعدي ” ويحسب لمنظمة التحرير الفلسطينية أن الثورة الفلسطينية كانت تمثل تجربة تعددية بوجود أربع أيديولوجيات متعايشة، إن هذه الغنى الفكري والثقافي والسياسي قد اختفى تماما أمام حركة حماس التي تناضل من أجل دولة دينية شمولية والسلطة الفلسطينية التي تناضل من أجل علمانيتها” ونرى أن الرهاب الأيديولوجي الذي سيطر على عقل ووجدان سعدي والذي عاشه في الجزائر وتعيشه النخب المسلوبة حضاريا قد نقله لفلسطين ليعرف به الحالة الفلسطينية كأداة لإعادة تعريف الصراع، لذلك وجب هنا تجلية هذا الأمر وتوصيف الحقائق كما هي على الأرض لا كما يتصورها سعيد سعدي فالأصل في الانقسام ليس على أساس الأيديولوجية الفكرية لشكل الدولة وإنما على الخيار التحرري لتقرير المصير على الأرض إما المقاومة أو المساومة.

الشعب الفلسطيني عبر انتفاضاته ينشد تصفية استعمار يحتل الأرض وينتهك حق الإنسان والحركات السياسية الفلسطينية تختلف على الخيار التحرري التدريجي التفاوضي السياسي أو الثوري المقاوم المقترن بالعمل السياسي المحافظ على القيم والمبادئ التي يؤمن بها الشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية تعتبر طرفا رئيسا في الصراع فالصراع بينها وبين الكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية وراءه هي قضية وجود وتدافع حضاري ممتد تتعدد ساحات الحرب فيه والساحة المركزية فيه الان جغرافية الارض المقدسة فلسطين.

 لذلك هنا يجب أن نستدعي التجربة الجزائرية الملهمة لكل الشعوب المناهضة للاحتلال الساعية للاستقلال خاصة  أنها كانت في مثل المسار السياسي والفكري الذي مدحه سعيد سعدي تحت دعوى التعددية الفكرية  فالحركة الوطنية الجزائرية كانت تحمل أيديولوجيات فكرية استقلالية وشيوعية وإصلاحية وحتى إدماجية أثرت الساحة الفكرية والسياسية  لكن الثورة الجزائرية المجيدة حسمت كل الحسم واختارت خيار المقاومة الاصلاحي الاستقلالي وبل عملت على وحدة الكيان الثوري المعبر عن الشعب الجزائري خلال ثورته المجيدة.

و لا يبرر اتهام سعدي بالقول بأن حركة حماس عدو للشعب الفلسطيني إلا العمى الأيديولوجي الذي لم يستطع كتمانه عند قوله أن غاية حماس ” دولة دينية”  ولست هنا محاميا على أي فصيل فلكل أخطائه لكن لم نتربى في الجزائر على معاداة حركات تحررية بدعوى أيديولوجية مثلما يفعل سعيد سعدي.

إن سعدي ينسب الجرائم الصهيونية والانتهاكات التي يقودها اليمين الصهيوني المتطرف  للحركات التحررية المقاومة وكأنه يقول لنا أن الجرائم الاستعمارية الفرنسية التي قام بها اتجاه الشعب الجزائري كانت بسبب الثورات الشعبية وثورة أول نوفمبر، فهل المنطق هو رفض الظلم والانتهاكات الصهيونية أم تبني الخطاب الصهيوني -مثله مثل الخطابات الاستعمارية- المشيطن للحركات التحررية كذلك وصفت فرنسا تصف الثوار بالفلاقة والخارجين عن القانون، والأغرب أن يلتقي سعدي مع المدخلية في نفس الخطاب المشيطن للمقاومة والحركات الثورية  لكن الأيديولوجية المقيتة تستطيع الجمع بين النقيضين، ويقال في السياسة والفكر أنك إن كنت هدفا لطرفي التطرف في وقت واحد فاعلم أنك على طريق سليم موصل.

يقول سعدي أن الشعبوية تحكم القضية الفلسطينية عند النظام الجزائري وهذا قد يكون مفهوما عند النخب المسلوبة حضاريا المنقطعة عن قيم الشعب ومبادئه وتراثه وهويته الحضاري، فمسلوب التراث والهوية يرى في المبادئ والقيم شعبوية و كثيرا ما التصقت هذه الصفة بالمدافعين على قضايا الهوية كاللغة العربية والاسلام في الساحة السياسية فعندما تكون الارادة الشعبية واضحة مضادة لما تؤمن به هذه الشخصيات السياسية تصبح شعبوية، ويؤكد هذا كلام سعدي الذي يظهر تصور تلك النخب فقيرة الامتداد الشعبي المنقطعة عن الجماهير، فإنه يؤكد على دور الشعب الجزائري في الاستنهاض والتحريك والضغط للحفاظ على الموقف الرسمي المشرف الذي يتماهى مع القيم الوطنية التي أرساها بيان أول نوفمبر ومع النفس الثوري التحرري للجزائر  وقد يظهر ذلك جليا عند وصفه الخوف الذي يسكن النخب والإعلام المعارض للموقف الرسمي الرافض للتطبيع.

وهذا يؤكد أهمية الردع الجماهيري للراغبين في التطبيع ووجوب تحول العاطفة الجماهرية إلى تيار منظم له مشاريع صانع للفعل على أرض الواقع.

ختاما يقول سعدي أن الموقف الجزائري الرافض للتطبيع والذي يؤرق بشدة الدوائر الصهيونية التي قطعت الأمل في التطبيع بشكله الدبلوماسي وآثرت العمل على الاشكال التطبيعية الاخرى الرياضية والثقافية والإعلامية التي تخاطب مباشرة الوعي والضمير الشعبي، يقول سعدي ان هذا الموقف هو  شعبوية غير عقلانية ووقوف في ثوب الملك أكثر من الملوك، في صيغة أخرى لعبارة “فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين” لكن جواب هذه الحجة المشروخة التي استخدمها الصهاينة ولازال لعزل قضية فلسطين عن امتدادها الطبيعي أننا كجزائريون أحفاد الثورة الجزائرية التي اقتنعت أن تحرير الجزائر  لا يكتمل الا بتحرير فلسطين، وهذا الشعار يصلح ليكون مشروعا جيوسياسيا بأن نهضة الجزائر لن يكون إلا بالقضاء على الخطر الصهيوني وفي الوقت الذي كان هؤلاء يقولون أن الجغرافيا البعيدة لفلسطين تجعل من الخطر الصهيوني بعيد.

اليوم نقول ان هذه الحجج البالية هي التي تركت الكيان الصهيوني يقف على حدودنا ويهدد وجودنا ومصالحنا الاستراتيجية لأوطاننا وأقول لسعيد سعدي حتى وإن كان الايمان بالقضايا الكبرى الحضارية لنخب أصيلة ليست مسلوبة حضاريا فالأصل الوحدة والتوحد أمام الخطر الصهيوني الذي يهدد مصالح الجزائر الاستراتيجية التي لا أرى أنه يرى بعقلانيته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • AVANCER LALOUR

    وتحول التلميذ المسكين الى أستاذ لأستاذه . يا للهول في بلد الغرائب والعجائب