-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ردّ على تعقيب

خير الدين هني
  • 916
  • 1
ردّ على تعقيب

مناهج النقد، لمن لم يطلع عليها، تقوم على علوم موثقة من علماء ومفكرين أكاديميين ينتمون إلى مدارس كبرى معروفة في مجالات تخصُّصها، وعلى بحوثٍ محكّمة منشورة في مجلات علمية معروفة، ومن أهم عناصر البحوث العلمية أن تكون موثقة بمراجع ووثائق ودراسات معمقة بالمقالات العلمية والوصفية والإحصائية والبيانات المعيارية الصادرة عن مؤسسات بحثية شهيرة.

الكتابة في العلوم والفنون والفلسفة إذا لم تكن موثقة توثيقا علميا أكاديميا كما هو معروف في الدراسات المعمقة، لا تعدُّ ذات قيمة علمية، ولا يؤخذ بها في البحوث والدراسات النقدية، وهي لا تعدو أن تكون مجرد خواطر عنّت لصاحبها، كما فعلته إحدى المؤلِّفات التي نقدت المدرسة الأساسية في كتيب أسمته “المدرسة الأساسية من بافلوف إلى ابن باديس”، أفرغت فيه رغاء أيديولوجيتها، بآراء انطباعية ضمن صيغ إنشائية فضفاضة، وقد استشهدت بالواقع العلمي والثقافي المتردي في البلاد ونسبته إلى الطور الأول من التعليم الأساسي، من غير أن توثق كتابتها بدراسات مقارنة وإحصائية واستبيانية للاستدلال على صحة فرضياتها واستنتاجاتها، كما أنها لم تستند إلى دراسات علم النفس التربوي والمدرسي، والاجتماعي وفلسفة الأخلاق السياسية التي تجعل رجال الحكم، يوظفون وسائل الدولة بحكم الشرعية والمشروعية، لبناء علاقات اجتماعية وفق ما تتيحه أخلاق الدولة والقوانين والتشريعات، لإحداث نهضةٍ شاملة تغيّر واقع الناس وأحوالَهم المتردِّية، وتوجِّه التربية -بقوة القانون وتهيئة الظروف الملائمة- نحو بلوغ الأهداف المسطَّرة في المناهج الدراسية.

ومقال الأستاذ أوحيدة الذي ردّ فيه على مقالنا “النقد التربوي بين المدارس القديمة والمدارس الثورية”، صاغه صياغة فضفاضة يغلب عليها طابع التجريح والتعميم والذاتية في النقد، من غير إسناد أي فكرة نقدية مما طرحه إلى مدرسة بحثية كبرى مشهورة برجالها وبحوثها ونظرياتها الشهيرة كما فعلتُه في مقالي، ولم يأت في مقاله بأي رأيٍ لعالم أو باحث في علوم التربية والنفس والاجتماع والألسنية، مما له صلة بالتعليمية العامة والخاصة، بما خوّل نفسه بالكتابة فيه برأيه الشخصي، كما لو أن التربية علومٌ عبثية لا تقوم على علوم تربوية ونفسية واجتماعية ولسانية، ولا على فنون ومعايير ومقاييس ومحكات، وتقنيات فنية وبيداغوجية منسوبة إلى نظريات معروفة في النماذج التعليمية المعروفة، والنظريات النسقية التي أحدثت ثورة عارمة في علوم التربية، وقلبتها رأسا على عقب.

مقال الأستاذ أوحيدة الذي ردّ فيه على مقالنا “النقد التربوي بين المدارس القديمة والمدارس الثورية”، صاغه صياغة فضفاضة يغلب عليها طابع التجريح والتعميم والذاتية في النقد، من غير إسناد أي فكرة نقدية مما طرحه إلى مدرسة بحثية كبرى مشهورة برجالها وبحوثها ونظرياتها الشهيرة كما فعلتُه في مقالي، ولم يأت في مقاله بأي رأيٍ لعالم أو باحث في علوم التربية والنفس والاجتماع والألسنية، مما له صلة بالتعليمية العامة والخاصة.

والأكبر من ذلك –خطورة- أنه ألغى جهود باحثين كبارا تقرّحت عيونُهم من القراءة والبحث والتجريب والملاحظة والاستنتاج، لأكثر من عقد أو عقدين، كما فعل الرواد الأوائل “بوبيت، تيلر، بلوم، ماجر، ميجر، رشتريش” وغيرهم كثير، من أصحاب المقاربات الثورية الذين حولوا التربية إلى عالم زاخر بالحيوية والنشاط والفاعلية والمردودية والنجاعة وصناعة الجودة والإتقان، في البلدان التي التزمت بمعاييرها وتقنياتها وطرائقها وشرائطها الفنية والنفسية والتربوية، وكل ما فعله صاحبُ المقال أنه اجتزأ من الكتاب المدرسي بعض الوحدات لسنةٍ معيّنة، وأخذ يردد ما ظن أنه إصلاحٌ لا يتماشى مع واقع التدريس وقدرات المتعلمين الذهنية، وكان بذلك كمن انتقد سوء لذة الطعام في وليمة، من غير أن يشخِّص الأسباب التي جعلت الطعام غير لذيذ، والحال أن صاحب الوليمة اختار طهاة غير متمرّسين في الطهي، إما لبلادته أو بخله، أو عدم خبرته واهتمامه بالضيوف والمدعوِّين، وهذا هو حال من انتُدبوا إلى تأليف الكتاب المدرسي من غير المؤهَّلين، وقد أشرت إلى ذلك في مقالي الذي لم يمعن صاحبُنا في قراءته والتدقيق في فقراته، وأنا كنت أزمع تقديم سلسلة من المقالات أحلل فيها تعاقب المقاربات التعليمية والدواعي المؤدية لذلك، وأربط ذلك بالإصلاحات عندنا، والمعايير المعوجّة التي اعتمدتها الوزارة الوصيّة في اختيار المؤلّفين والمحلّلين، وقد دفعتُ إحدى هذه المقالات إلى جريدة “الشروق” ولم تُنشر بعد، وكنت سأعرج على الموضوعات التي انقدتَها وأبدي رأيي فيها بالتحليل الموضوعي، فإن سمحت الجريدة فسأوضّح ذلك إن شاء الله، فالاختيار للجريدة وليس لي. وسأكون سعيدا إن قبلت ذلك.

ولكن كاتب المقال بدل أن يردّ على أفكار المقال إن لم تعجبه، ويوثق كلامه بالإرجاع وليس بالتجريح والكلام الإنشائي الانطباعي، الذي تغلب عليه العواطف والانفعالات والذاتية، وينسب كلامه إلى المظان المعتمَدة في علوم التربية والنفس، وليس إلى الرأي الشخصي الذي استقاه من بعض تجاربه غير المعيارية، والرأي الشخصي في مناهج النقد غير معتبرة لافتقارها إلى التوثيق، ومما يؤسف له أنه انحدر في الكتابة إلى التعريض بشخصي، بكلام جارح وهو لا يعرف سيرتي الذاتية، ولولا أن نهى الله عن تزكية النفس لذكرت أمورا، يعلم بعدها أنه ظلمني حين نسبني إلى “المتملقين المتزلفين المتذللين السفسطائيين”، ولستُ أعلم إن كان مطلعا-كفاية- على معنى السفسطة في الفكر اليوناني القديم، قبل ظهور سقراط. وهو الفكر الذي هدم أسس العقل بالبرهنة على صحة الشيء ثم نقضه بدليل آخر، وأنا لم أفعل ما فعله السفسطائيون؟ وإن كان الأمر كذلك فصاحب المقال هو الذي انتهج مناهج السفسطائيين إذ هدم أسس العقل والمعرفة، حين أنشأ كلاما غير موثّق بإسناده إلى المظان، وزاد في جراءته حين ألغى -بجرّة قلم- جهود أكابر العلماء والمفكرين، فقال: “ولكنّ الحكم على منظومة تربوية أو على أصحابها أو على الإصلاحات المزعومة لا يُعتمد فيه على تاريخ علم النفس أو مدارسه، أو على فلسفة متناقضة، أو على سفسطة مبهَمة”، ولست أدري ما هي العلوم التي يستمدّ منها صاحبُ المقال، نظريات التعلم وطرائق التدريس وبناء المناهج ونظم التقويم ومناهج النقد، إذا لم يعتمد على علوم النفس والتربية؟ وزاد على ذلك بالتجريح فقال: “.. لأنَّ السبب هو المدرسة القديمة حسب ما يرى المتملقون والمتزلفون، والمتذللون لقرارات حطّمت المنظومة التربوية”، في إشارةٍ إلى شخصي إذ جعلنا متذللين ونحن في خريف عمرنا، أنا أربأ بصاحبي أن ينزل إلى هذا اللغو من الكلام، الذي لا يُستخدم في الدراسات النقدية والبحوث العلمية، وإنما هو مما يستخدمه رعاعُ السياسة الإيديولوجيون والبيروقراطيون، ممن تمرَّسوا على القذف والشَّتم والتنقيص من مراتب الخصوم، في المناسبات الانتخابية، وقد تعوَّدوا على رمي الكلام على عواهنه، من غير وعيٍ بمسؤولية الكلمة ولا بخطورتها الجارحة للمشاعر، وهو محرَّمٌ في التشريع السماوي والوضعي.

ولو كنتُ كما ظننتَ من الذل والتذلل، لفعلتُه وأنا في ريعان شبابي أجوب، وبلغتُ به ما بلغه غيري ممن هم دون الربعة والحسبة، ولكنت عذيقا يتحكك به المطافيل، فدعك من هذه الأوصاف التي تتجافى مع الذوق والسموّ في الكتابة، ولا تحشر نفسك في ضيق والرّحبُ متّسع، فذاك مضمارٌ ينفر منه أهل الكتابة والأدب والنقد، وجميلٌ أن تعطي رأيك في الإصلاحات وأنت من أهل التربية، ولكني أحبّ أن تكون موفقا في التحليل والإفادة، وذلك لا يتأتى إلا بعميق البحث والقراءة، ودوام التفكير والتقدير حين تنقد وحين تقوّم، وتتروى وتتبصر وتمحص وتدقق عندما تصدِر الرأي الأحكام، وذلك كله لا تتيحه مناهج المدارس القديمة التي قدّمت الخير الكثير في زمنها، ولكنها سننُ التغيير تأتي على كل حيّ متحرك، والأفكار كائناتٌ حية متغيرة تتعرض لخطوب الزمن وتقلباته، وإلى دينامية الحياة وتطورها، قديما قالوا: “من لا يتجدّد سيتبدّد”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • يوغرطة

    الخلاصة ان الجميع سواء وزراء او مفكرين او نقادا او مؤرخين او خبراء او مفتشون عامون او عمال تربية لا يفكر الا في نفسه وفي عائلته ومصالحه الشخصية فقط . لا احد يفكر في مصلحة الجزائر العليا للاسف الشديد وهذا هو واقعنا المؤلم والموجع والمرير بصراحة يا سادة . كان الله في عونك يا جزائر بني مزغن