-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رسوم غير متحركة

رسوم غير متحركة

الذين قالوا إن الدولة التي لا ينعقد فيها مجلس الوزراء لمدة فاقت التسعة أشهر، دولة في غرفة الإنعاش، وقارنوا المشهد بما يحدث في فرنسا، وفي غيرها من الدول، حيث تتابع مختلف الحكومات كل “شهقة وزفرة” داخلية وخارجية، هم أنفسهم غير مقتنعين بأن الدولة الجزائرية، التي كانت تُعقد بها اجتماعات مجلس الوزراء بشكل عادي وأحيانا مبالغ فيه

 على مدار نصف قرن، لم تكن في غرفة الإنعاش، والدليل على ذلك أن لا أحد همّه محتوى اجتماع مجلس الوزراء المنعقد يوم الأحد، وراحوا يحللون الصور غير المتحركة، ووضعية الرئيس في صور التلفزيون، وكبّروا الصورة الجماعية، التي جمعت الرئيس بوزرائه، وراحوا يقرؤون تضاريس، الوجه وما أحاط بالعينين من سواد وشحوب، ولو توقف الأمر عند الصحافيين أو الفضوليين من عامة الناس لهان الأمر، ولكنه وصل إلى الصالونات السياسية التي يجهد بعض رجالاتها أنفسهم لتولّي الحكم، في حالة بقاء الصور على حالها غير المتحركة، أو في حالة زوال هاته الصور عن المشهد الإعلامي، كما حدث في الأشهر الماضية، غير مهتمين تماما بمحتوى ما جرى في مجلس الوزراء ولا حالة البلاد التي لا أحد صار يستطيع فك طلاسمها.

وعندما تصبح الصورة أهم من الروح، فإن البلاد تكون قد بلغت درجة السطحية التي طفت فوق براميل النفط، التي أنستنا بأننا بلد ما عاد يعمل، حتى لا نقول ما عاد يفكر.

توجد حاليا أربع ولايات جزائرية كبيرة من دون وال، وتوجد المئات من البلديات في حالة انسداد، وتوجد الكثير من المديريات المهمة في البلاد من دون راع، ونكاد نجزم أن هاته البواخر التي ملأت كل بحارنا، هي حاليا من دون ربان، ومع ذلك يطلب الناس ملء الفراغ، ولا يهمهم من يملأ هذا الفراغ، فالدولة الجزائرية أصرّت دائما على إجراء الانتخابات، رغم علمها بأن الأداء يزداد سوءا عاما بعد آخر، حتى إن كثيرين يتمنون إلغاء مجلس الشعب، لأنه تبذير للمال العام وللوقت، وكثيرون تمنوا لو أن وزارة الطاقة، ظلت من دون وزير طوال عشر سنوات، أحسن من أن يكون لها وزير سرق ذهبها الأسود والأصفر أيضا.

لقد وصف الجزائريون في زمن “أحادية حكم” الرئيس الراحل هواري بومدين مختلف الحكومات المتعاقبة بحكومة “ميكي”، نسبة إلى الشخصية الكارتونية التي بعثها والت ديزني عام 1928، والتي كان مسار مغامراتها عبر باخرة بخارية، تهكما على الأداء السلبي للوزراء، فكانوا يشبّهون ما يقوم به “الفأر” شخصية “ميكي ماوس” بما تقوم به الحكومات عندنا، ولكنهم الآن تقمصوا جميعا هاته الأدوار الثابتة والمتحركة في اتجاهات لا هي طفولية ولا هي جادة، وصارت الصورة وحدها التي تحرّك المواطنين والطبقة السياسية، إلى درجة أن قرار الترشح للرئاسيات بالنسبة إلى بعض ممن يزعمون أو يظنون أنهم من أهل الاختصاص وأصحاب “حل وربط” يسير وفق هاته الصور الخاصة بالرئيس، التي يقدمها التلفزيون بين الحين والآخر.. وليس وفق برامج ونيّة حقيقية في الإصلاح؟   

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!