-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رمضان.. بين صلاة القيام وجلسات القيل والقال!

سلطان بركاني
  • 856
  • 0
رمضان.. بين صلاة القيام وجلسات القيل والقال!

عاد رمضان كعادته، فوجدنا كما عهدنا؛ مثقلين بالذّنوب مثخنين بالخطايا والعيوب، قلوبنا قاسية وأرواحنا غافلة وأنفسنا إلى الدّنيا مائلة وأجسادنا إلى الأرض مخلِدة؛ نتعامل مع حقّ الله الأكبر الذي لأجله خلقنا بمَيل ومين.. ونخشى أن يرحل رمضان بعد أيام ويتركنا كما وجدنا! نُسارع إلى الصّلاة ليس لنرتاح بها من هموم الدّنيا، إنّما لنرتاح منها ونتفرّغ لشواغل لا تنفع في الدّنيا ولا في الآخرة!

رمضان ضيف عزيز، لا شأن له بموائدنا المليئة والعامرة بكلّ ما لذّ وطاب، ولا بسهراتنا الطّويلة في المقاهي وأمام الشاشات، إنّما شأنه بصبرنا في صلاة القيام، وثني ركبنا أما كتاب الله، والقيام في الأسحار بالدّعاء والاستغفار.. رمضان يريد لنا أن نأخذ من دنيانا لآخرتنا، ونطهّر قلوبنا من التعلّق بالمتاع الفاني، ومن الغلّ والضّغينة، ونمسك ألسنتنا عن الغيبة والقيل والقال، وننزّه أعيننا عن النّظر إلى الحرام.. حرام أن يكون همّ عبد مسلم صحيح معافى في رمضان هو البحث عن أسرع الأئمّة قراءة، ليتخلّص من صلاة التراويح في أقصر وقت ممكن ويتفرّغ بعدها لجلسة سهر طويلة مع الأصحاب والأحباب في المقهى! حرام أن يكون حقّ الله حملا ثقيلا نرجو التخلّص منه في أسرع وقت ممكن! ألهذا خلقنا؟ ألهذا تفتّح أبواب الجنّة في رمضان؟ ألهذا تغلّق أبواب النيران؟ أ هكذا نجيب نداء الملك: “يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشرّ أقصر”؟

إنّ حياتنا لن تستقيم ما دمنا نتعامل مع حقّ الله الذي به سعادتنا في الدّنيا والآخرة على أنّه حمل ثقيل نسارع إلى إلقائه عن كواهلنا، وأرواحنا لن تهنأ وقلوبنا لن تسعد ما دمنا نطلب الراحة من الصّلاة ونجاهد الأئمّة لأجل أن يريحونا منها سريعا، بدل أن نجاهد أنفسنا على شكر نعمة الصحّة والعافية بنصب الأقدام لله.

إنّه لمن المعيب أن تجد مسلما يمتّع بكامل صحّته، وينعّم بسلامة كلّ جوارحه وأعضائه، ينتقل كلّ ليلة مسافات معتبرة، لأجل أن يصلّي في مسجد إمامه ينصرف من التراويح 10 دقائق قبل انصراف أئمّة المساجد الأخرى! كأنّ عملا مهما ينتظره بعد الصّلاة! بينما واقع الحال أنّه يقضي تلك الدقائق في الطريق، أو أنّه يريد زيادتها في وقت الجلوس في المقهى أو الاستراحة مع الأصدقاء والخلان، هذه الجلسة التي تتطاول ساعات مديدة من دون كلل أو ملل!

عندما صلّى معاذ بن جبل -رضي الله عنه- العشاء مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ثمّ عاد إلى قومه ليصلّي بهم، وافتتح القراءة بسورة البقرة، انصرف رجل معه، فقال له أصحابه: لقد نافقتَ! فأتى الرّجلُ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- يعرض عليه الأمر، وقال: إنما نحن أصحاب نواضح، ونعمل بأيدينا، وإنه جاء يؤمنا فقرأ بسورة البقرة! فقال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: “يا معاذ، أفتان أنت؟! أفتان أنت؟! اقرأ بكذا اقرأ بكذا، بـ{سبح اسم ربك الأعلى} {والليل إذا يغشى}” وفي رواية: “يا معاذ، لا تكن فتانا؛ فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة والمسافر”.. الرّجل انصرف واحتجّ على معاذ بن جبل، لأنّه (أي الرجل) كان أمامه شغل ينتظره، لذلك نهر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- معاذا ونهاه عن فتنة الناس، فبينهم الكبير والضّعيف وذو الحاجة، والإمام يجب عليه شرعا أن يراعي حال هؤلاء فلا يطيل في صلاة الفرض.. لكن الذين يحتجّون في زماننا هذا على إطالة الإمام، لا شغل ينتظرهم بعد الصّلاة ولا هم في الغالب من كبار السنّ ولا الضعفاء ولا أصحاب الحاجات ولا هم مسافرون، إنّما يحتجّون على إطالة الصلاة حتى لا تأخذ من وقت جلسات القيل والقال! وقبل ذلك، فهم يحتجّون على الإطالة في صلاة نافلة تسنّ فيها الإطالة، ويشرع الجلوس فيها ولو من دون عذر!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!