-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الإيطاليون يربحون الشراكة والمال والإسبان يتحسرون

روما تعبّد طريق أوروبا لعلاقات استراتيجية مع الجزائر

محمد مسلم
  • 4869
  • 0
روما تعبّد طريق أوروبا لعلاقات استراتيجية مع الجزائر

لم تكن الزيارة التي قادت رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، مهمة للرفع في مليارات المترات المكعبة من الغاز، أو لتعزيز العلاقات الاقتصادية فحسب، وإنما كانت زيارة بأهداف أبعد من ذلك، فيها الكثير من الرسائل العابرة للعلاقات الثنائية.

الاصطفاف الجزائري الإيطالي كان واضحا أكثر من أي وقت مضى، وهو اصطفاف على جميع الأصعدة، جعل من الجزائر المورد الأول للغاز، متقدمة على الشريك التقليدي، روسيا التي تراجعت إلى الوراء، بفعل العقوبات الأوروبية التي جاءت ردا على العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، منذرة بشتاء قارس في القارة العجوز.

“إل موندو”: إيطاليا استفادت من أزمة الموقف من الصحراء الغربية

البعد السياسي في هذه الزيارة وإن طغى عليها البعد الاقتصادي، إلا أن ذلك لم يمنع من أن يبرز الأول كمهيمن، جسده التصريح المشترك للرئيس عبد المجيد تبون ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، والذي أكد على “رغبة بلدينا في تعزيز روابط الصداقة وتكثيف مجالات التعاون.. وبناء علاقات استراتيجية”.

يبرز المحور الجزائري الإيطالي في “التطابق الكلي” في كافة الملفات الكبرى ومنها القضية الليبية التي تم التوافق بشأنها على “ضرورة تحقيق الليبيين هدف بناء المؤسسات بأنفسهم، من خلال انتخاب نزيه لممثليهم الذين يختارهم الشعب الليبي بنفسه، بعيدا عن التدخلات والتجاذبات الخارجية”، وكذا العمل على “تطبيق اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر وتعزيز دور البعثة الأممية (مينوسما) من أجل الوصول إلى التسوية النهائية للتوتر الحاصل في المنطقة”.

ويبقى التميز في الموقف الإيطالي مقارنة بنظيره الإسباني، مسجلا بشأن القضية الصحراوية، بعدم تبني روما لمشروع الحكم الذاتي الذي يحاول نظام المخزن فرضه على الصحراويين، وتأكيده على دعم جهود الأمم المتحدة عبر ممثلها الخاص، ستافاون ديميستورا، من أجل تنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية، وفق ما جاء في التصريح المشترك، الذي قرأه الرئيس تبون: “نتفق مع الأصدقاء في إيطاليا على دعم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة والبعثة الأممية للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) لدورها المهم في تسوية هذا النزاع الذي طال أمده”.

هذه العبارات لخصت الكثير من الرهانات التي تقف خلف هذه الزيارة، التي لم تكن سوى حلقة في مسلسل بدأت تفاصيله ترتسم منذ الربيع المنصرم، مدفوعة بتطورات طارئة، مثل الحرب في شرق أوروبا، وانقلاب الموقف الإسباني من القضية الصحراوية، وما خلفه من تداعيات على العلاقات الجزائرية الإسبانية.

قيمة التقارب الجزائري الإيطالي لا يمكن الوقوف على أهميته، إلا بالاضطلاع على ما يكتبه إعلام الطرف الآخر، ممثلا في إسبانيا، التي خسرت الكثير من مصالحها في الجزائر منذ الربيع المنصرم، ولا تزال.

وهنا يمكن التوقف عند ما علقت به صحيفة “إل موندو” الإسبانية على الزيارة، التي كتبت “استفاد رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراجي، استفادة كاملة من الأزمة المفتوحة بين الجزائر وإسبانيا نتيجة التحول الذي طرأ على موقف الحكومة الإسبانية بشأن قضية الصحراء الغربية. لم تعد الجزائر المورد الرئيسي للغاز لإسبانيا، التي تعتمد الآن على الولايات المتحدة كقناة إمداد رئيسية لها”.

وتكتب “إل موندو” بشيء من الحسرة على ما خسرته مدريد بسبب مواقف وسياسات حكومة بيدرو سانشيز غير المحسوبة العواقب: “جعلت الأزمة الإسبانية مع الجزائر من إيطاليا الحليف الأوروبي الرئيسي لهذا البلد الشمال إفريقي. حضرت الحكومة بقيادة دراغي إلى القمة الإيطالية الجزائرية بستة وزراء، وكان هدفها الأول هو ضمان إمدادات الغاز مقابل عرض علاقة أوسع”.

وتضيف الصحيفة الإسبانية وكأنها تعدد خسائر مدريد التي تأبى التوقف: “اختار الرئيس الجزائري أن يجدد مع صديقه الرئيس دراغي الاقتراح، بأن تكون إيطاليا واحدة من موردي الطاقة الشمسية والكهرباء التقليدية في أوروبا، وهو الدور الذي كان موكولا لإسبانيا إلى غاية عشية اندلاع الأزمة بين الجزائر ومدريد بسبب القضية الصحراوية”.

الشعور بالذنب لدى الطرف الإسباني، كما جاء في الإعلام الذي يوصف بأنه “ضمير المجتمع”، كان واضحا في ما كتبته “إل موندو”، وهي تشير إلى الاتفاقية التي وقعتها شركة سوناطراك، على هامش هذه الزيارة، مع الشركات الأمريكية والإيطالية والفرنسية، “أوكسيدنتال” و”إيني” و”توتال” على التوالي، بغلاف مالي لا يقل عن أربعة ملايير دولار، من أجل توفير كميات أكبر من الغاز لضخها باتجاه روما.

إنها قائمة الشركاء التي غابت عنها الشركات الإسبانية، التي اعتادت الحضور بقوة في المشهد الطاقوي الجزائري، وهذا المعطي يعتبر أشد إيلاما من الناحية السياسية والاقتصادية لحكومة سانشيز، لأن العقاب لم يقتصر على الحرمان من الصفقات، بل تعداه إلى إعادة فتح ملفات النزاع المطوية، كما حصل مؤخرا مع شركة “تكنيكاس رونيداس”، التي باتت مطالبة بتسديد ما لا يقل عن 80 مليون أورو، بعد رفض سوناطراك أي حل توافقي بشأن مشروعها الغازي بتوات (أدرار).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!