-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رُبّما لا تأتي الظّروف المناسبة!

سلطان بركاني
  • 1056
  • 0
رُبّما لا تأتي الظّروف المناسبة!

لعلّ من أكثر ما يؤسَف له فيما آل إليه واقع كثير من المسلمين في هذا الزّمان؛ إخلادهم إلى الكسل والرّاحة، وإدمانهم التّسويفَ والتّواني؛ فلا تكاد ترى الواحد منهم إلا وهو يؤجّل كلّ عمل نافع في دينه ودنياه، إلى وقت لا يدري ولا يعلم متى يكون، وربّما يؤجّل ما حان وقته وآن أوانه المرّة تلو الأخرى، وفي كلّ مرّة يجد لنفسه من الأعذار أوهاها وأوهنها؛ فتارة يتعلّل بأنّ الظّروف لا تسمح، وتارة يُبرّر تسويفه بتغيّر المزاج، وتارة يحلف غير صادق بأنّه لا يقدر أن يؤدّي العمل في حينه، وتارة يتعلّل بأنّه لا يزال أمامه مزيد من الوقت، وتارة يتمسّك بشعار “كلّ عطلة فيها خير”!

كثيرا ما يكون العمل ملحّا وربّما تتعلّق به مصالح النّاس، ويتسبّب تأجيله في إلحاق الضّرر والعنت بالآخرين، لكنّ المسوّف يبرّر لنفسه تأخيره بحجج أوهى من خيوط العنكبوت، غير مكترث بنقمة أصحاب الحاجات الذين يمطرونه باللّعنات، وقد يكون العمل واجبا مرتبطا بوقت محدّد، ومع ذلك يؤجّله المسوّف ويتوانى فيه حتى يفوت وقته؛ تجده مثلا يجلس في المقهى ويسمع أذان الصّلاة، فيحدّث نفسه بأنّه سيصلّي حال عودته إلى البيت، قبل خروج الوقت، لكنّه يظلّ يتراخى حتى يخرج الوقت ويضطرّ لجمع أكثر من صلاة في وقت واحد! تجد الشابّ الذي أخطأ في حقّ والدته وآذاها وأسال دمعها، يشعر بالنّدم، ويفكّر في تصحيح خطئه وطلب الصّفح من والدته، لكنّ نفسه تسوّغ له تأخير الاعتذار يوما بعد يوم، حتى يفاجأ بأمّه المكلومة تفارق الحياة وهي تحمل في قلبها حسرة وكمدا لولد كانت تنتظر أوبته لكنّه شُغل عنها وتركها تتجرّع الغصص والآلام وحدها.. ربّما يلقي الشّيطان العداوة بين المسوّف وبين أخيه أو جاره، فيندم في ساعة يصحو فيها ضميره، ويحدّث نفسه بإصلاح ما أفسده الشّيطان في أوّل فرصة مناسبة، ثمّ يقنع نفسه شيئا فشيئا بتأخير الإصلاح إلى يوم العيد، فإذا ما كان يوم العيد وجد لنفسه عذرا لتأجيله مرّة أخرى، وهكذا حتى يفوت الأوان.. ربّما يكون على المسوّف دين آن أوان سداده، لكنّ نفسه تختلق له من الأعذار ما يجعله يؤجّل السّداد يوما بعد يوم، وأسبوعا بعد أسبوع، حتى تُلِمّ به حاجات تجعله ينفق ما عنده من مال، ويجد نفسه في حرج بالغ أمام الدّائن.. تجد أحدنا يملك بين يديه من المال ما يكفيه ويزيد على حاجته، ويسمع كلمة عن فضل الصّدقة وثوابها، فيحدّث نفسه بإخراج شيء من المال طلبا للأجر والثّواب، لكنّه يظلّ يسوّف ويسوّف حتى ينفد المال، وربّما يمنّي نفسه بحجّ بيت الله الحرام ويرى من جيرانه وأقاربه من يحجّ ويعتمر، لكنّه يظلّ يمنّي نفسه حتى يصاب بمرض يحول بينه وبين الحجّ أو تأتيه منيته على حين غرّة، فيلقى الله وهو قد ترك ركنا من أركان الإسلام.. إذا حدّث المسوّف نفسه بحفظ القرآن بدأت نفسُه تحدّثه بمشاغل الدّنيا وشواغلها، وإذا حدّثها بالتوبة، حدّثته عن العمر الطّويل الذي لا يزال أمامه، وحدّثته بأنّ ظروفه وحاجيات حياته ووضعه في العمل أو في الدراسة لا تسمح له بالتوبة.

تجد الشابّ يتخرّج من الجامعة، فيأنف من العمل في وظائف متواضعة يكسب منها مصروفه ويرفع بها حرج انتظار المعونة من أبيه أو أمّه أو أخيه، ويظلّ ينتظر العمل المناسب حتى تذهب سنوات شبابه.. وتجد الفتاة المسلمة ترفض الزّواج وتتعلّل بالدّراسة، ثمّ تتعلّل بالبحث عن عمل، ثمّ بتوفير بعض المال، وهكذا حتى تضيع زهرة شبابها، وينقطع عنها الخطّاب وتنضمّ إلى عالم العنوسة…

كثيرون هم أولئك الذين ندموا بعد فوات الأوان، وتجرّعوا الغصص والحسرات على الأيام والسّنوات التي كانوا يسوّفون فيها ويؤجّلون ما آن أوانه، لأنّهم ظنّوا أنّه سيكون لهم من الأوقات ما يكفي لتعويض ما فات، لكنّ الأوقات ذهبت والفرص ضاعت.. كانوا يتحيّنون الوقت المناسب، لكنّه لم يأت أبدا، لأنّهم نسوا أنّ الوقت المناسب لا يأتي من الخارج وإنّما يُصنع في داخل النّفس؛ فكلّ عمل آن أوانه، فأوّل وقته هو أنسب الأوقات لأدائه.. النّفس البشرية تهوى التعلّل، وتميل إلى طلب الرّاحة في العطالة، لكنّ راحتها الحقيقية في إلزامها بما ينفعها وفي حملها على المبادرة والمثابرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!