الرأي

سؤال أعجز الجزائريين؟

أرشيف

لا أحد في الجزائر شعبا ومسئولين بإمكانه تحديد معالم الطريق الاقتصادي الذي تسلكه الجزائر الآن، وحتى في العقود الماضية، فهل هي اشتراكية أم رأسمالية؟
سؤال صعب لا نظن أن الفريق السياسي الذي يتحدث هذه الأيام بـ”شراسة وعنترية”، بإمكانه أن يُفهمنا كيف يسير الاقتصاد الجزائري بين مدّ ارتفاع أسعار النفط وجَزر انخفاضه؟
والطامة الكبرى أن كل المحاولات التي تقوم بها مختلف الحكومات إما بقذف بعض القطاعات إلى اللبيرالية أو بالتمسُّك بممارسات اشتراكية مستمدة من البلشفية اللينينية تبوء بالفشل، وتزيد من ضبابية الوضع.
الجزائر هي البلد الوحيد الذي عجز فيه القطاع الخاص عجزا كاملا عن تحريك العجلة المشلولة للاقتصاد الجزائري، بل عجز عن منافسة القطاع العمومي المنهار.
فقد ظهرت عيادات خاصة وتنافست على الربح السريع، وليس على الكفاءات، فكانت النتيجة وبالا على المرضى وعلى المنظومة الصحية، إلى درجة أن الجزائريين صاروا يتوجهون إلى تونس لأجل معالجة أسنانهم، وإلى الأردن لمداواة عيونهم، وإلى تركيا لزراعة شعورهم، وتحولت العيادات الخاصة إلى مجازر من دخلها فهو ليس آمنا. وظهرت مؤسسات تعليمية ومدارس خاصة، وتنافست على الرداءة فأطلقت على التعليم آخر رصاصات الرحمة، فكانت النتيجة طلبة لا يكادون يعرفون أكثر من أسمائهم وعناوين منازلهم.
وعندما يحنّ بعض الناس لعقود سالفة، فمعنى ذلك أننا قطعنا مسافة طويلة جدا، من دون أن نعلم بأننا كنا نسير فعلا، ولكن إلى الخلف.
يزعم الساسة الجزائريون بأنهم وحدهم في العالم، من يبنون ملايين السكنات، ويوزِّعونها بالمجان على المعوزين ومعدومي الدخل، ولكنهم في نفس الوقت، يعلمون كم بنت هذه السياسة الاشتراكية من بارون رأسمالي لا تعدّ ثروته التي جناها من صفقات البناء المحبوكة ومن البيع الخفي لمواد البناء ومن التوزيع غير العادل للسكنات كما شهد شاهدٌ من أهل الساسة وهو والي عنابة الذي أقرَّ بحصول صناعيين وأثرياء يقطنون في فرنسا على سكنات اجتماعية بالجملة!
ويزعمون بأنهم وحدهم في العالم الذين يفتحون الجامعات لقرابة مليوني طالب بالمجان، نقلا وإطعاما وإقامة مع إكرامه بمنحة جامعية ومراجع وخدمات حياتية مختلفة، لا يدفع في سبيلها إلا مبالغ رمزية، ولكنهم يعلمون كم شيّدت هذه السياسة من بارونات باعة الحليب والخبز واللحوم، إلى درجة أن اختلطت على الوزير هذه الصفقات مع المستوى التعليمي العام، فصار لا يفرق ما بين أصحاب المعدّلات العالية وبين من حصلوا على النجاح بالإنقاذ، بل إنه اعتبر السعي للحصول على جائزة نوبل إنما هو تبذير للمال والجهد والوقت!
لقد رفعت الجزائر شعارات سياسية واقتصادية، في زمن كان يعيش فيه بريجنيف وتيتو وتشاوسيسكو وفيدال كاسترو… فماتوا جميعا، وتاب من خلفوهم عن هذا النهج التليد، ولكن بقت الجزائر وحدها تفاخرُ بهذه السياسات التي ولّدت رأسمالية لم تبلغها بريطانيا موطن الفيلسوف وعالم الاقتصاد آدم سميث، فكان طبيعيا أن نحصد العواصف من هذا الزرع الفوضوي الناسف.

مقالات ذات صلة