الرأي

سمينة ورخيصة!

جمال لعلامي
  • 881
  • 4

..صحيح ما تقول يا أخ جمال، بأن بعض الأساتذة يبتزون جيوب الأولياء بالدروس الخصوصية، وصحيح أيضا أن بعض الأساتذة يهدون النقاط لمن يتابع الدروس عندهم ويمنعونها عنهم إذا اكتفوا بالدروس في القسم.. لكن السؤال المطروح بإلحاح: لماذا لم تكن هذه الدروس الخصوصية في السبعينيات والثمانينيات؟ نقول بكل بساطة إن المنظومة التربوية الحالية لا تلبي حاجة الطفل، الذي لا يستوعب ما يقدم له، فهناك خلل وأعطيك مثالا حيا عما أقول واحكم بنفسك.. في السابق كان عدد دروس الرياضيات في السنة الخامسة ابتدائي 112 درس، والآن عليك أن تطلع على كتاب الرياضيات للسنة الخامسة وعدد دروسه لتكتشف الحقيقة المرة !
..لي ابن كان يدرس في الابتدائي، معلمته في الفرنسية تقاعدت ففتحت مستودعا عند أختها وبدأت تبيع الدروس الخصوصية.. سمحت لابني بالذهاب إليها، في اليوم الثاني وجدته حاملا مقعدا، فسألته: لماذا تأخذ معك الكرسي، فرد: حتى لا أجلس على مواد البناء، قلت له أرجع الكرسي إلى البيت وارجع معه ولا دراسة عندها من اليوم !
..معلمة العربية عندما سألتها عن النتائج، كان جوابها: “ديرلو دروس خصوصية”، قلت لها المساعدة مطلوبة، لكن إن علمته في البيت لماذا يأتي إلى المدرسة؟ فسكتت… مشكل التكوين في الجزائر سياسي بحت، فقد أصبح الغش يغزو كل المناطق بعد تطور أجهزة الاتصال، ماذا يفعل التلميذ المجتهد المخلص أمام تغوّل كارثة الغش؟
..هذه تعليقات بعض القراء الكرام، من الأولياء، على بعض التحوّلات الدخيلة والغريبة التي تجتاح مدارسنا، والحقيقة أن هذا الموضوع، يجب أن يكون شغلنا الشاغل جميعا: أساتذة وأولياء وتلاميذ ونوابا وسياسيين ونخبة ومثقفين وحكومة، لأن المدرسة هي القاعدة، إن بُنيت على باطل فكل ما يأتي بعدها سيكون باطلا وعاجلا ومعطلا ومؤجلا ومبهدلا ومعلولا !
فعلا، هل يُمكن للتلميذ الذي يجلس فوق “باربانة” داخل “كوري”، أكرمكم الله، أن يدرس ما لم يدرسه في المدرسة؟.. وإذا أدرجنا هذا المثال، فلا ينبغي علينا أن نقفز على حقيقة مفادها أن الكثير من الإطارات والكفاءات التي وصلت إلى مراتب مشرّفة، درست في زمن سابق في ظروف مأساوية، لكن هؤلاء ثابروا ونجحوا بالتحدّي والتصدّي والعزيمة !
لا يمكن لأيّ عاقل أن يقف موقف المعارض المهاجم المنتقد المتفّه، لدروس الدعم والتقوية، لكن المطلوب تنظيمها وفق نظام مدروس، بعيدا عن العشوائية ومنطق البزنسة والسمسرة، حتى لا يتحوّل الأستاذ إلى بائع والتلميذ إلى “سلعة”، والوليّ إلى مشتر، يبحث عن من يبيعها “سمينة ورخيصة” !

مقالات ذات صلة