-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تحت شعار "زوْجُوه يستعقل" و"ادّوه للعمرة يبرى"

سوء التشخيص يحول المرضى عقليا من ضحايا إلى مجرمين

نادية سليماني
  • 602
  • 0
سوء التشخيص يحول المرضى عقليا من ضحايا إلى مجرمين
أرشيف

يسعى كثير من الأولياء، لعلاج أبنائهم المُصابين بأمراض عقلية، بطرق خاطئة، ما يتسبّب في إلحاق ضرر بأشخاص آخرين، يصل درجة ارتكاب جرائم قتل بشعة، والمؤسف، هو إخفاء “المرض العقلي” ورمْي صاحبه “عمدا” في قفص الزوجية تحت شعار “زوجوه يبرى”، أو إرساله للعمرة بنية الشفاء، بتوجيه من رقاة ومشعوذين…

جميعنا شعر بالصّدمة، لحادثة مقتل معتمريْن من ولاية قسنطينة على يد شاب، كشفت عائلته مُعاناته من مرض عقلي، وبحسب المتداول فعائلة الشاب تم نصحها بإرسال المعني إلى العمرة لغرض الشفاء من مرضه النفسي.
فلطالما شكّل موضوع دفع أشخاص مصابين بأمراض عقلية، إلى الزواج أو العمل بأماكن حساسة أو زيارة مناطق ضمن مجموعة من الناس، جدلا، فالمريض العقلي شخص يتعاطى أدوية علاجية ومهدئة بشكل دائم، وقد يثور لأتفه الأسباب.
ولذلك لابد من تجنب تواجده في بعض الأماكن، وهذا لا يعني عزله عن المجتمع، ولكن لابد من حسن تقدير وضعيته المرضية، كما أن الاحتياط واجب.

زوجته “المريضة عقليا” هددتهم بسكين
تحمل كثير من العائلات شعار ” زوجوه يبرى “، فيسارعون لتزويج أبنائهم وبناتهم المصابين بأمراض عقلية، مع إخفاء المرض عن الطرف الثاني، وكثيرة هي القصص التي عالجتها المحاكم وسمعناها من أفواه الضحايا، عن تعرض نساء ورجال إلى العنف من طرف شركائهم ” المختلين عقليا “.
” م ” شاب من العاصمة، ارتبط بفتاة آية في الجمال، ليكتشف بعد إنجابها طفلين إصابتها بمرض عقلي، ومع مرور الوقت انعزلت زوجته أكثر وهجرت تماما واجباتها المنزلية وحتى وظيفة الأم. ما جعل الزوج يبحث الآن عن زوجة ثانية لرعاية أطفاله، رافضا تطليق أم ولديه، لأنه لا مكان لها تقصده بعد وفاة عائلتها، التي كذبت عليه بشأن مرضها.
أما ” نبيل ” فتفاجأ بعد يومين فقط من زواجه، من حمل زوجته سكينا وتهديدها بقتل شقيقته، والسبب أن الزوجة لم تتعاط أدويتها المهدئة، التي أخفتها عائلتها أثناء زواجها.. والنتيجة طلاق بعد أسبوع من الزواج.
وكثير هن النساء اللواتي ارتبطن برجال مصابين بأمراض عقلية، والأسوأ أن المرأة تُجبر على البقاء مع زوجها بعد إنجابها أطفالا، ورفض عائلتها عودتها مطلقة.
والرّقاة المزيفون والمُشعوذون، غالبا هم أصحاب فكرة ” زوجوه يبرى ” أو ” أدوه للعمرة لخروج الجن”. وحتّى في بعض الوظائف، يتم اقحام هذه الفئة دون علم، لأنّ شهادة السلامة العقلية غير مطلوبة في غالبية الوظائف والمهن.

المريض العقلي مفصول عن الواقع..
ويؤكد المختص في علم النفس، حسام زرمان لـ ” الشروق”، أن المرض العقلي هو اختلال كلي في الشخصية، وصاحبه يملك أفكارا مشوشة على أداء الواقع، بحيث تخرج سلوكاته عن المألوف، وهذه الحالة المرضية تتطلب علاجا دوائيا محضا، ” بينما حالات مثل المشكلات النفسية من قلق واكتئاب والحزن، والتي لا يكون أصحابها عدوانيين، فيمكن علاجهم عن طريق جلسات علاجية وبدواء مُخفف”.
وتأسف المتحدث لظاهرة تزويج المريض عقليا، بنية الشفاء، وقال: “المريض العقلي لديه اختلال في الواقع، وتزويجه جريمة ذات حدين، الأولى إلحاق الضرر به، بحيث لا يقدر على التأقلم مع الواقع ولا يتحمل المسؤولية، لأنه غير مكلف شرعا، وهي جريمة في حق شريكه الذي يعيش تحت التهديد اليومي”.

شهادة السلامة العقلية ضرورية قبل الزواج
وذكر حادة مقتل زوجة على يد زوجها المصاب بوسواس قهري شديد، الذي كان يتخيل أن زوجته تخونه، وحالة أخرى لسيدة، تفاجأت بأن زوجها يملك عقل طفل صغير عمره 6 سنوات، بينما هو في الأربعين، ما أدخل الزوجة في حالة اكتئاب.
وحمل محدثنا المعالجين بالطب البديل والرقاة المزيفين، مسؤولية محاولة علاج المرضى عقليا بطريق مختلفة، سواء بالأعشاب أم بإرسالهم للعمرة، وقال: “هذه الفئة من المعالجين أحدثوا أزمة في مجتمعنا مؤخرا، وحولوا التطبيب إلى “بريكولاج”، وأغرقوا الجزائريين في الحجامة والإبر الصينية وتناول الأعشاب..”.
ويحذر زرمان العائلات، من محاول علاجه أبنائها المرضى عقليا بطرق غير الدواء، كما نصح المقبلين على الزواج، بالتأكد من السلامة العقلية والنفسية لشريك المستقبل.

فرض شهادة الأهلية العقليّة على المعتمر.. ضرورة
وبدوره، اعتبر البروفيسور في علم النفس، أحمد قوراية، في تعليقه على مقتل معتمريْن، بأن المعتمر يحتاج صحة عقلية ونفسية، لأداء شعيرة من شعائر الإسلام، لأن المريض العقلي مرفوع عنه القلم. كما أنه يعاني من اضطرابات نفسية حادة لا يستطيع التحكم فيها، وقد تصدر منه سلوكات غير سوية تضر بنفسه وبغيره، مؤكدا أن كثيرا من المصابين باضطرابات عقلية ونفسية، قاموا بجرائم قتل أو ضرب دون وعي منهم.
ودعا محدثنا، القائمين على الديوان الوطني للحج والعمرة، بضرورة تضمين ملف القبول لأداء الحج والعمرة، لشهادة الصحة العقلية والنفسية والبدنية، لإثبات قدرة الشخص على أداء هذه المناسك. وتلزم بها وكالات السفر.

شفاء المجنون بعد الزّواج لا دليل عليه
وبخصوص مسألة تزويج المجنون أو المضطرب نفسيا، فالزواج في الأصل هو تكوين أسرة وتحصين الزوجين من الفساد، وليس ” مصحّة لعلاج المصابين بالاضطرابات العقلية والنفسية “. والزواج، حسب محدثنا، هو رباط مقدس يحتاج صاحبه للقدرة على تحمل المسؤولية.
وأضاف: ” وليعدل الآباء العدول عن النظرية الاجتماعية البالية، التي مفادها أن المجنون يُشفى بعد الزواج، إذ لم تثبت ولا حالة اجتماعية على ذلك بأرض الواقع.. فالمجنون عاجز عن النظر لنفسه فكيف بغيره “.
وأكد قوراية، وجود كثير من الحالات الاجتماعية، التي تم فيها ذبح الزوجة والأولاد من طرف أزواجهن المعانين من اضطرابات عقلية ونفسية، وآخرون لا يستطيعون إعالة عائلتهم ويظلون هائمين في الشوارع.
وتأسّف لوجود من سماهم “رقاة عاجزين” ينصحون أهل المصابين بالجنون أو الاضطراب النفسي، بأخذهم إلى البقاع المقدسة قصد استشفائهم، وهذا خطأ فادح لأن هذه المناسك تشترط صحة العقل والبدن وسلامة النفس، وهؤلاء يفتقرون إلى هذه المقومات الثلاث.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!