-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سوريا التربية… وسوريا الدمار

سوريا التربية… وسوريا الدمار

كنا نبحث عن معلومة حول مناهجنا التربوية، فتصورنا أننا سنجد ضالتنا في موقع وزارة التربية الوطنية، لكننا لم نفلح، لأن موقع الوزارة هزيل وسطحي في محتواه، ويظهر كأنه واجهة إشهارية لا غير. وعلى كل حال، فقد جرّنا البحث عن المعلومة إلى ولوج موقع وزارة التربية السورية، فدهشنا لما وجدناه فيه من ثراء في المعلومات المقدمة لكل متصفح. ولم نصدق أن موقعا كهذا موجود في بلد يعيش ويلات الدمار والحرب الطاحنة التي دخلت سنتها السابعة.

موقع وزارة التربية

فمن بين ما يحتويه هذا الموقع السوري كل الكتب المدرسية (أزيد من 200 كتاب) في شكل “بي دي آف” يمكن لأي زائر تحميلها مجانا أو تصفحها المباشر دون قيد ولا شرط. وهكذا حمّلنا عدة كتب في الرياضيات من المراحل المختلفة (الابتدائية والمتوسطة والثانوية) وكذا بعض الكتب الأخرى، مثل كتب “اللغة العربية”، وكتب “التربية الدينية الإسلامية”، وكتب “التربية الدينية المسيحية”.

ففي الكتب الدينية التي اطلعنا عليها، لاحظنا رقي الأفكار الواردة فيها وعمقها، وهي في مجملها داعية إلى الأخلاق الحميدة التي تنادي بها الأديان السماوية وإلى المثل الإنسانية. وقد لفت انتباهنا نشاط مطلوب من التلميذ في أحد هذه الكتب جاء في هذه الصيغة: “يتميز بلدنا الحبيب بطبيعة ساحرة متنوعة وهبه الله تعالى إياها، ففيه السهول و… والجبال الهادئة… اكتب مقالا صغيرا عن مكان جميل زرته في بلدك شعرت فيه بعظمة الخالق عزّ وجلّ، وتشجع من حولك على زيارته”. 

أما في كتب اللغة العربية، فلاحظنا نصوصا عميقة المعاني لكتّاب من مختلف البلدان العربية وبعضها كتبت بأقلام مؤلفي الكتاب ذاته، بل ثمة نصوص أخرى من مؤلفين غربيين. ورغم ذلك لم يجد مؤلفو كتب اللغة العربية حرجا في الاستشهاد بالشعر الجاهلي وبالآيات القرآنية في الكثير من الأماكن.

ما يشد الانتباه أيضا في كل هذه الكتب أن عدد مؤلفيها ضخم يفوق أحيانا 10 مؤلفين للكتاب الواحد، وكثير منهم يحمل لقب “دكتور”، ما يدل على أنهم جامعيون. وإذا نظرت إلى الجانب الفني الخاص بالإخراج والطباعة والتصميم واستعمال الألوان، فسوف تحكم من دون شك بأنه عمل رائع. نشير إلى أن معظم هذه الكتب طبعت سنة 2016-2017، بل منها ما هو مطبوع لسنة 2017/2018.

تصفحنا بعض كتب الرياضيات دون الغوص فيها، فلم نقع على خطإ لغوي أو إملائي، ولم نشعر في أي لحظة بأننا نقرأ نصا مترجما، بل كانت عربية سلسلة لا تَكَلَّف فيها، صيغت بجمل قصيرة تُيسّر الفهم لدى التلميذ. أما الجانب البيداغوجي، فكان من أبرز ما يحرص عليه المؤلفون. وبطبيعة الحال، فإن هذا الوصف للكتب السورية لا يعني أبدا أنها خالية من الأخطاء أو أنها لا تحتاج إلى تنقيح، وإنما نريد الإشادة بالجهد المضني الواضح الذي بذله مختلف المؤلفين والمصممين ورجال الطباعة لوضع مثل هذه الأعمال بين يدي التلميذ وفي متناول أي زائر لموقع وزارة التربية بالمجان.

وفضلا عن ذلك، وُضعت في الموقع صفحة تحتوي على أعداد مجلة فصلية عنوانها “مجلة المعلم العربي” تصدر منذ 70 سنة (أسست عام 1947). ويُذكر فيها أن كل مؤسسة تعليمية في سوريا ملزمة باقتنائها ورقيا لمكتبتها، رغم أنها متوفرة بشكل “بي دي آف” مجانا لتحميلها من موقع الوزارة الذي فيه الكثير من الوثائق الأخرى. 

 

المركز الوطني للمتميزين

ومن بين ما اكتشفناه خلال تصفحنا موقع وزارة التربية السورية، أن هناك موقعا ثريا آخر خاصا بالمنافسات الأولمبية العلمية الوطنية والعالمية. وعندما ينظر الإنسان في المواقع الخاصة بمنافسات الرياضيات الأولمبية العالمية فلن يجد من الدول العربية المشاركة التي فتحت موقعا لها في هذا الموضوع سوى ثلاثة بلدان، هي موريتانيا والسعودية وسوريا، وأثراها بالمواضيع هو الموقع السوري. 

والأجمل من كل ذلك وجود موقع خاص بالمتميزين (http://ncd.sy) هو واجهة “المركز الوطني للمتميزين” في سوريا الذي أنشئ عام 2008. يقع هذا المركز في جامعة تشرين (اللاذقية) رغم أنه يستقبل طلبة الأولى ثانوي ممن تحصلوا على علامة 16/20 في شهادة الأهلية، ولا تقل علامتهم في الرياضيات والعلوم عن 17/20. تُجرى لهؤلاء ثلاثة اختبارات، أولها في الرياضيات والفيزياء والعلوم، وفي اللغات (عربية، إنكليزية، فرنسية). وثانيها في القدرات الفكرية وسرعة البداهة. يمثل كل من هذه الاختبارات بما فيها علامة شهادة الأهلية 30% من التقييم النهائي. أما الاختبار الثالث فيتمثل في إجراء مقابلة أمام لجنة من الأساتذة (تحتسب بنسبة 10% من التقييم النهائي). 

ويخضع الناجحون لتكوين عال بمناهج خاصة بهم. والموقع يوضح كل أنواع التكوينات والنشاطات المكثفة المطالبين بها، كما يستعرض الإمكانيات المتوفرة لديهم. ويعجب متصفح الموقع من التفاصيل المقدمة هناك. فهو يؤكد مثلا على نوعية الطعام الذي يقدمه المركز للتلميذ والأستاذ: يذكر أن ثمة 3 وجبات في اليوم حيث “يحصل الطالب والمؤطر على ما يحتاجه من طاقة (حريرات) كافية”. وقد ذكَّرنا هذا الكلام بأول احتجاج لتلاميذ ثانوية الرياضيات في القبة (التي تضم نخبتنا) منذ سنتين حين سجلوا وقفة في واجهة الثانوية احتجاجا على سوء الإطعام! 

ومن المأثورات المسجلة في موقع مركز المتميزين مقولة لستيف جوبز  Steve Jobs نصها: “لا جدوى من أن توظف الناس الأذكياء وتملي عليهم ما سيفعلون. نحن نوظف الأذكياء كي يخبرونا بما علينا أن نفعل.” 

والغاية المعلنة من المركز هي تكوين إطارات “عالية الأداء ضمن بيئة ترعى التميز وتعزز المستوى العلمي، وتنمّي المهارات القادرة على الإبداع والتمييز”. ويهتم المركز “باستقطاب ورعاية الطاقات، وفتح فرص الإبداع أمام الشباب المتميّز للنهوض بالمجتمع وتلبية حاجات الوطن”. ويؤكد على أن هدفه الأخير هو “صناعة ثروة وطنية مبدعة تكون نواة تسهم في تحقيق التنمية على كافة المستويات، تكون قادرة على سد النقص في الخبرات والمهارات التي لم تتمكن قطاعات التعليم الأخرى من إيصالها إلى الغاية المطلوبة”.

لا داعي لأن نتساءل بعد كل هذا عن موقع وزارة التربة الجزائرية وعن مدى سهرها على تأليف الكتب المدرسية. ولا داعي أيضا لأن نتساءل عن مدى اهتمام السلطات العليا عندنا بالمتميزين الشباب. ونحن إذ نُطلع القارئ على ما يجري في بلد دمرته الحروب، ولا تزال، فلنتبيّن كم نحن مقصّرون في هذا الباب رغم ما لدينا من إمكانيات مادية وبشرية نُحسد عليها. فمتى نستفيق من غفلتنا؟!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!