-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سياسة “دزوا معاهم” !

محمود بلحيمر
  • 4959
  • 0
سياسة “دزوا معاهم”  !

عدة قطاعات تعرف إضرابات ونزاعات اجتماعية حادة. يكفي فقط أن نشير إلى ما يشهده قطاعا الصحة والتعليم وقبلهما إضراب عمال المنطقة الصناعية للرويبة ومركب الحجار، والقائمة تطول.

  • إنها صورة تفصح عن أزمة حقيقية تعيشها مختلف قطاعات النشاط الرئيسية لفترة طويلة من الزمن، عجزت خلالها الأطراف المعنية على بلورة حل وسط يعيد القطاعات المعنية إلى النشاط العادي ويمكن البلد من تدارك النقص في القطاعات الخدماتية والإنتاجية.
  • المنطق الذي تتعامل به الحكومة مع النزاعات الاجتماعية كإضراب الأطباء مثلا، يتلخص كما يلي: “افعلوا ما شئتم لن يكلمكم أحد، وإذا ما خرجتم إلى الشارع فهراوات الشرطة في انتظاركم”!، والصدام الذي حصل الأسبوع الماضي في ساحة أول ماي بالجزائر عند باب مستشفى باشا الجامعي بالعاصمة يبين صحة هذا المنطق. فأصحاب المآزر البيضاء ضُربوا بالهراوات في ساحة أول ماي مثلما قرعت هراوات الشرطة رؤوس أساتذة التعليم العالي سنة 1992 في عهد حكومة سيد أحمد غزالي. وهذا في الحقيقة مظهر مخز يبين قمة الاحتقار الذي تتعامل به السلطات مع نخبة البلد.
  • وبدلا من المفاوضات والحوار والنقاش العلني في وسائل الإعلام ومع المعنيين مباشرة لتبيان إن كانت مطالب المحتجين مقبولة وشرعية ويمكن تلبيتها أو مبالغ فيها وغير منطقية، بدلا من هذا، جاء رد فعل الحكومة، بعد صمت طويل، في شكل اتهام للمحتجين بـ “الطمع”، في سخاء الحكومة من الوفرة المالية المتأتية من النفط، وبأن حركتهم تندرج في إطار أجندة سياسية خفية. هذا ما عناه الوزير الأول السيد أحمد أويحيى خلال تعليقه عن التوتر الحاصل في عدة قطاعات.
  • إن التعاطي بهذه الكيفية مع النزاعات الاجتماعية في قطاعات حساسة لن يزيد سوى في تأزيمها وشل مختلف الأنشطة في وقت أن البلد في أمس الحاجة لتسريع إصلاحات عميقة في جميع القطاعات.
  • والحكومة بهذه السياسة تتناقض مع نفسها، فمن جهة تتحدث عن إصلاحات كبيرة جارية ومشاريع ضخمة بملايير الدولارات، لكن في ذات الوقت العديد من قطاعات النشاط مشلولة بسبب نزاعات لا تكترث لها الحكومة ولا ترى حتى ضرورة الإصغاء للشركاء الاجتماعيين، ولا حتى محاولة كسب رضى القاعدة الاجتماعية العريضة لإنجاح سياستها. كيف يمكن ضمان حد أدنى من النجاح لهذه الإصلاحات والمشاريع الجارية وعدة قطاعات تعيش غليانا وشللا منذ مدة؟!
  • لقد جرى الحديث منذ فترة عن ديناميكية البناء والمشاريع الكبرى، سيما منذ الحملة الانتخابية لأفريل من السنة الماضية، وبدلا من أن نرى تلك الديناميكية الموعودة كحقيقة في الميدان هناك أشياء أخرى فارضة لنفسها وهي الرشوة والفساد وتبذير المال العام (قضية سوناطراك، الطريق السيار…) والفوضى الاجتماعية والإضرابات وغيرها من الظواهر التي أصبحت من يوميات الجزائريين، لكن هناك عجزا رسميا في التعاطي معها وسلبية وعطالة كبيرة من جانب الأطراف السياسية والاجتماعية الأخرى التي يمكن أن تلعب دورا في احتواء الفوضى الحالية وخلق ديناميكية البناء التي يجري الحديث عنها.
  • فمن المفروض أن السلطة، أية سلطة، موجودة لتحكم وتسير وتسارع دائما لحل المشاكل، وتسييرها أحيانا، وتحاول كسب الرضى العام بسياستها، لا أن تعتمد سياسة “دزوا معاهم” كما هو التعبير الشعبي، وتصمت وتلعب على الوقت كي تهدأ الأمور ثم تعود نفس المشاكل بحدة وتعقيد أكثر. من جانب ثان، التسيير الجيد هو الذي يراهن على خلق أوضاع مستقرة وهادئة لضمان النجاح لا أن يخلق الظروف التي تديم التعفين. فالحكومة تعتزم على صرف 150 مليار دولار كاستثمارات في مشاريع مختلفة خلال الخمس سنوات القادمة، لكن، منطقيا، هل يمكن أن نطمئن، في مثل هذه الفوضى، على مردود جيد يرجى من هذه الاستثمارات؟
  • من جانب آخر، لننظر إلى المنحى الذي أخذته الإضرابات في البلاد، فمثلا كم عدد الجزائريين الذين تتدهور حالاتهم الصحية خلال إضراب الأطباء سيما وأن بعض الحالات تتعقد لتصبح مستعصية؟ وكم هو حجم الضرر الذي يلحق بالتحصيل التعليمي لتلاميذ المداس خلال إضراب أساتذة وعمال التربية لأسابيع وشهور أحيانا؟ إن الانسداد الحاصل بفعل تجاهل الحكومة لمطالب الشريك الاجتماعي وتصلب مواقف هذا الأخير يدفع ثمنه مختلف الشرائح الاجتماعية التي صار الإضراب بمثابة كابوس لها، ولم تعد هذه الوسيلة السلمية (الإضراب) وسيلة تعبير وإسماع صوت الفئات المهنية والاجتماعية لدى أصحاب القرار، بل وسيلة ترسيخ الجمود وتوقف عقارب الساعة، ومن ثم من الضروري النظر في صيغة ملائمة لإبقاء هذه الوسيلة السلمية للتعبير في إطار المعقول، وهذا يمر بطبيعة الحال عن طريق الحوار بين مؤسسات الجهاز التنفيذي ومخلف الشركاء الاجتماعيين.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!