-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سِفرُ التكوين والخروج

عمار يزلي
  • 3423
  • 0
سِفرُ التكوين والخروج

في الوقت الذي تسعى فيه الجزائر إلى النهوض على جميع الأصعدة بعد تفان منقطع النظير من قبل “دعاة الماضي الاستعماري” هنا وهناك.. عندنا وعندهم، ما فتئت الدوائر المنزعجة من هذا النجاح في الخروج من دائرة التبعية التي أريد لها أن تبقى حتى مع الاستفاقة الشعبية في حراك دام قرابة السنة، تم اختراقه من طرف أكثر من طرف من بينهم هذا الطرف الذي يحنّ إلى عهد ما قبل 5 جويلية 62، ما فتئت تكيد المكائد، مما يؤكد أن الصراع على أشده ضمن الدوائر الداخلية خلف البحر.

ما حدث جراء المغامرة الفرنسية على أرض الجزائر عبر تونس، يؤكد أن ما كان يسمى “حزب فرنسا” هو حقيقة وليس مجرد أقوال، وأن الطابور الخامس لا يزال يشتغل بإيعاز وهمز وتوجيه وتمويل وتكوين ورعاية سامية تاريخية لكتلة أصحاب الحنين الاستعماري التاريخي، وأن استدعاء الجزائر لسفيرها في باريس “للتشاور” دليلٌ على عمق الأزمة وتبعاتها مستقبلا. بالتأكيد، الجزائر وفرنسا على مستوى القيادات العليا لا تريد أن يعكِّر صفو هذه العلاقات المتنامية منذ نحو سنة على أسُس جديدة تعتمد على النِّدية ومراجعة المواقف التاريخية تجاه الممارسات الاستعمارية في ما سمِّي “ملف الذاكرة”، غير أن الأوساط الموازية في الخارجية وفي أجهزة المخابرات والأمن الداخلي والخارجي في فرنسا، لا تزال تتشبَّث بخيوط الماضي وتريد أن تمنع أي تقارب بين البلدين على هذه الأسس التي أملاها الجانب الجزائري كشرط لمواصلة المعاملات والاستثمارات والعمل على ملف الذاكرة.

الآن، وقد استُدعي السفير الجزائر في باريس “للتشاور”، احتجاجا على خرق هذه الأوساط الدبلوماسية القنصلية الأمنية للسيادة الوطنية بشكل سافر، لم يعد ما يربط الجزائر بفرنسا رسميا أي رباط علني رسمي؛ فالسفير الفرنسي في الجزائر الذي يكون قد ركب ووضب سيناريو تهريب مواطنة جزائرية مطلوبة للعدالة إلى فرنسا عبر تونس، يجد نفسه في عزلة وغير مرغوب فيه بالمرة، مما يجعلنا نعتقد أن السفير الفرنسي قد يستدعى في أيّ لحظة، العدد الأخير من الجريدة الرسمية الفرنسية يشير إلى أن السفير الفرنسي ما عاد وقته طويلا في الجزائر، وقد يرحل قبل الآجال المحددة له، لا بل أكثر من ذلك، بطريقة إدارية، سيتم إحالته على التقاعد شهر أوت المقبل، مما يعني نهاية مساره الدبلوماسي، وهي إشارة واضحة إلى أن السفير الفرنسي تعرَّض لمعاملة عقابية من جراء تصرُّفه هذا الذي هدد مصالح بلاده بالانخراط في مغامرة خارج الأعراف الدبلوماسية.

بهذا، نعتقد أن الاتصالات غير الرسمية والسرية التي لا يمكن أن تنقطع بين البلدين، قد أوصلت الرسالة الجزائرية الحازمة والصارمة لصناع القرار في باريس. أكثر من ذلك، قرار الجزائر الأخير بتشديد الرقابة على الحدود والمطارات، يؤكد أن هذا الفعل أو مثله ينبغي أن لا يحدث مرة أخرى، وأنه من يفكّر في العمل عليه في سيناريو مشابه من تهريب “العملاء” و”الخبارجية” ممن بقوا منذ الحراك الشعبي متخفّين أو في شكل خلايا نائمة، أو ناعمة، أو محمية، أو حتى مسجونة، لن يتمكَّن أحدٌ من تخليصهم من قبضة العدالة العادلة.

الآن، وقد بدأ العدُّ التنازلي لحلحلة الوضع حتى لا نذهب باتجاه قطيعة لا أحد في البلدين على المستوى القيادي يأمل في أن تحصل، سنسمع الكثير من النعيق الذُّبابي هنا وهناك أكثر، نشرا للمغالطات والأكاذيب والتلفيق، بغرض واحد: عرقلة مسيرة التنمية والتصالح ومراجعة قواعد اللعبة السياسية والاقتصادية وفحص التاريخ وللذاكرة بما يتماشى وروح نوفمبر والمقاومات ودم الشهداء.. وليس بأيِّ ثمن.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!