-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

شعائر الحجّ والبيوت الرسالية

سلطان بركاني
  • 302
  • 0
شعائر الحجّ والبيوت الرسالية

لا يفهم كثير من العلمانيين المغزى من الشّعائر التي يظهرها الحجّاج في المشاعر والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، صبيحة العيد وأيام التشريق، ويقرن بعض أدعياء العلمانية بين شعائر الحجّ الإسلامية وبين الطقوس التي يقيمها أتباع الأديان المحرّفة والديانات الوضعية، ذاهلين عن البون الواسع بين شعائر المسلمين وطقوس غيرهم، فالشعائر الإسلامية تردّ المسلمين إلى دين الفطرة ورسالة الإسلام الخالدة وعقيدة التوحيد التي ارتضاها الله لعباده منذ خلق آدم عليه السّلام، وتذكّرهم بأنّ والمنبع واحد والمجرى الصافي هو ذاته. بينما طقوس الأديان المحرفة لا تعدو أن تكون خرافات لا صلة لها برسالات الأنبياء ولا بالفطرة التي فطر الله النّاس عليها.
شعائر الحجّ، تربط المسلمين بحقيقة الإسلام وأساسه المتين: التسليم والخضوع لله تعالى، وهو ما تجسّدت صورةٌ من أروع صوره في قصّة نبيّ الله وخليله إبراهيم -عليه السّلام- وأسرته الصّالحة المباركة التي ابتليت بلاءً وصفه المولى -سبحانه- بأنّه مبين: ((إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ)).. فنجحت فيه، واستحقّت أن يخلَّد ذكرُها في القرآن وتُختار مواقف ثباتها لتكون محلا لمناسك الحج.
في يوم الأضحى وأيام التشريق يتذكّر المسلمون درس التّسليم والخضوع والإذعان لأمر الله جلّ وعلا.. يتذكّرون قصّة إبراهيم الخليل مع ابنه البارّ القانت الصّالح إسماعيل -عليهما السّلام- ويستذكرون موقف الأمّ الصّالحة هاجر -عليها السّلام- التي سلّمت لأمر ربّها وأطاعت زوجها وأخزت إبليس حينما أتاها ليوسوس لها في ردّ أمر ربّها شفقة على فلذة كبدها…. يتذكّرون شفقة الأب على ابنه حين قال: ((يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى))، وطاعة الابن لربّه وتسليمه لأمر مولاه وبرّه بأبيه حين قال: ((يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ))… يستذكرون كلّ هذا ليتعلّموا منه أنّ التسليم لأمر الله هو أعظم سبب للفرج والنّجاح والسعادة والفرح في الدّنيا، وأعظم سبب للنّجاة والفلاح والرفعة في الآخرة.. والأمّة أحوج ما تكون إلى استذكار وإظهار هذه الحقيقة التي عليها مدار الإسلام، في هذا الزّمان الذي طغت فيه الأهواء وتشعّبت الآراء، وأصبح بعض المسلمين إذا عرض عليه أمر الله، تلكّأ وتردّد وبحث بين التأويلات والأقوال الشاذة عمّا يردّ به ذلك الأمر، فلا تسمعه إلا هو يردّد: لكن، ولكن! وقيل وقالوا!
يستذكر المسلمون قصّة نبيّ الله إبراهيم وابنه إسماعيل، ومعها يستذكرون عداوة الشيطان الذي يزيّن لابن آدم أن يعصي أمر ربّه، فيأتيه من أبواب متفرقة ليصل إلى مبتغاه، فربّما أتاه من باب التعلّل بكثرة من يخالف الأمر، وربّما أتاه من باب الحرص على مصلحة موهومة، أو باب الحرص على دنيا أبنائه؛ فيحرص على دنياهم ويضيّع دينهم وآخرتهم!
يتذكّر المسلمون قصّة الأسرة الإبراهيمية، ليربطوها بشعائر الله التي شرعت بناءً على أحداث القصّة الخالدة، فيحدّثوا بها أبناءهم ليربطوهم بالحنيفية السّمحة ملّة إبراهيم الذي ما كان يهوديا ولا نصرانيا، بل كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين.. يحدّث الأزواج زوجاتهم بقصّة المرأة الصّالحة هاجر التي تركها زوجها في مكان خال مع ابن رضيع، فلمّا سألت زوجها: آ الله أمرك بهذا؟ فقال: نعم؛ قالت بكلّ يقين: إذن لن يضيّعنا.. زوجة تعلم أنّ الحافظ والرازق هو الله وما زوجها سوى سبب من الأسباب، فإذا غاب السّبب فإنّ مسبّب الأسباب سبحانه باق.. فكان الجزاء أن تَفجّر ماء زمزم تحت قدمي الرّضيع وأقبل النّاس على الأمّ وابنها.. يحدّث الآباء أبناءهم عن موقف الولد الصّالح البارّ إسماعيل الذي تربّى على التّسليم التامّ لأمر الله وعلى البرّ التامّ بالأب المسلم، ولو كانت نتيجة التسليم أن تحزّ السكّين رقبته، فالرقبة من الله وله، وينبغي أن تكون طوع أمره.. يحدّث الآباء أبناءهم بالجمرات التي كانت ولا تزال شاهدة على موقف الأسرة المسلمة من الشّيطان الذي حاول أن يثني الأب وزوجته وابنه عن تنفيذ أمر الله، فكان جزاؤه أن رجم بالحجارة في تلك الأماكن، وكرّ خائبا مدحورا.. يحدّث الآباء أبناءهم بفرج الله الذي نزل على الأسرة الخاضعة لأمر الله، حين أمر الرّحيم -سبحانه- السكّين بألا تذبح وأنزل كبشا من الجنّة ليكون فداءً لرقبة الولد الصّالح البارّ، وكانت المكافأة الأكبر بعد ذلك حين نزل الأمر للوالد وابنه ببناء بيت يكون مركزا للطّائفين ومهوى لأفئدة المسلمين…
بمثل هذه المعاني نربط أبناءنا بالفطرة السليمة وبالحنيفية السّمحة، ونعلّمهم أنّ شعائر الدّين ليست طقوسا جافّة لا معنى لها ولا روح فيها، إنّما هي مدرسة تعود بالمسلمين إلى أصل الطّريق الموصل إلى رضوان الله، حتّى يعتزّوا بما عندهم ولا تميل بهم الآراء والأهواء إلى السّبل التي اخترعها الشياطين.. وبمثل هذه المعاني تَعظم مكانة الحجّ في نفوس أبنائنا، فيشتاقوا إليه صغارا ويعظّموا شعائره وشعائر الدّين كلّها كبارا.
ينبغي لكلّ أب ولكلّ زوجة ولكلّ ابن أن يفهم أنّ الحجّ ليس للحجّاج وحدهم إنّما هو لكلّ المسلمين، وهو معانٍ تعاش في كلّ بيت، وفي كلّ وقت، وليس في موسم الحجّ فحسب.. من واجب كلّ أب أن يسعى ليكون في بيته كإبراهيمَ، قدوة صالحة لزوجته وأبنائه في تعظيم حرمات الله والمسارعة إلى طاعة الله وإنفاذ أمره والتضحية بكلّ غال ونفيس طلبا لمرضاة الله.. من واجب كلّ زوجة مسلمة أن تسعى لتكون في بيتها كهاجر قدوة صالحة لبناتها في صلاحها وتعظيمها لأمر الله وفي طاعتها لزوجها وحرصها على دين أبنائها قبل دنياهم.. ومن واجب كلّ ابن أن يتربّى على أن يتمثّل إسماعيل في عقيدته وخلقه وطاعته لربّه وبرّه بأبيه وأمّه.. وبهذا تكون بيوتنا بيوتا رسالية ومحاضن مطمئنّة يسودها الودّ والتراحم، وتتربّى فيها الذرية الصالحة التي تتطلّع إليها الأمّة لتخرج من حال الغثائية التي أنهكتها في هذا القرن الأخير من عمرها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!