الرأي

شكرا أيها .. الجبناء

حسان زهار
  • 2149
  • 12
ح.م

بالأمس كان الجبن صناعة غذائية رائجة.. لكنه اليوم تحول الى تيار سياسي جارف.

بالأمس.. سكت الجبناء على الانقلاب ضد الصندوق، وعميت أبصارهم وضمائرهم عن المجازر، وقبلوا رئاسة بوتفليقة بعد انسحاب منافسيه الستة عام 1999، وبعدها ظلوا طوال 20 سنة كاملة، إما مؤيدين تحت الجزمة، أو معارضين بكلام تحت اللسان، يقولونه وشوشة لا جهرا.

لكن أعداد الجبناء اليوم ازدادت بشكل رهيب.. وأنواعهم وأشكالهم على “قفا من يشيل”.

إنهم الذين شاركوا انتخابات العصابة في الماضي، وسجلوا أسماءهم لسباق 18 افريل لمنافسة الكادر، وقبلوا المشاركة في سباق محسوم سلفا، بصفر ضمانات، لكنهم رفضوا اليوم المشاركة، مطالبين بضمانات كاملة، لا تقل عن نسبة مائة بالمائة.

انهم الذين يرفضون الذهاب إلى الصندوق بحجة مطالبتهم بما يسمونه “الدولة المدنية”(..)، وهم الذين ساندوا جنرالا في انتخابات العهدة الخامسة.

إنهم أعداء الديمقراطية الحقيقية، الذين يمتلكون شجاعة الدنايا كلها، لكنهم يجبنون أمام الصندوق، لأنهم يعرفون حجمهم الحقيقي الصغير والبائس.

انهم الذين تعودوا على التزوير، وعلى انتظار حصتهم من الكوطة، الذين يعلمون نتائجهم سلفا من مصادر التزوير الرسمية، ولا ينتظرون الإعلان الرسمي عنها.. هؤلاء هم اليوم جبناء جدا، لخشيتهم الصدمة بعد أن تحول مصدر إعلان النتائج وتسريبها.

لكن الجبناء الكبار، الذين فاجأونا و”افتجأنا” بهم.. وشكلوا للأحرار صدمة حقيقية.. هم الشرفاء السلبيون، هم الأحرار المرتعشون، الذين لا يمتلكون جرأة التغيير، أو مواجهة التحديات.

الوطنيون الكبار، الإسلاميون الأطهار، دعاة الأصالة وحب الوطن.. الذين جبنوا في آخر لحظة، على خوض غمار الرئاسيات، وتحججوا بألف حجة وحجة، وتفلسلفوا في تبرير الخيبة والنكوص، على الرغم أن منهم من رفعت الجماهير صورهم، ومنهم من رشحتهم قوى مجتمعية فاعلة، ومنهم من حسبناهم على شيء، وإذ بهم لا شيء على الإطلاق.

قال بعضهم، من هؤلاء الذين تنكبوا الطريق، وتولوا عن الزحف، في معركة انقاذ الوطن، أن النظام مجرم وخائن، وأنه مزور ولا أمان له، لكنهم جبنوا فلم يتقدموا لكسر أوكار الخيانة والتزوير.. ورضوا بالخنوع والخضوع اليوم، كما رضوا به أول مرة، فكانوا من الغابرين.

وقالوا أنهم شاخوا وما صارت أقدامهم تحتمل المسير، لكنهم لم يزكوا لهذا الأمر رجاله، ولا قدروا من الشباب من يقوم بالمهمة.. فضاعوا وضيعوا.. وأفلتوا على أنفسهم والوطن، فرصة ذهبية أخرى، تضاف إلى تضييع عشرات الفرص الأخرى في الماضي.

وقالوا أنهم مع الشعب في حراكه، وأنهم يتخندقون معه.. لكنهم أنكروا على من عاد إلى بيته أنه من الشعب، وأنكروا على الشعب أنه الشعب، واختاروا لونا واحدا من الشعب، الذي يؤمن بالشارع لا بالصندوق في التغيير، وبالصوت العالي لا بالصوت الانتخابي.

هؤلاء الجبناء الذين يخشون على أناقتهم من أن يخدشها التراب، وعلى أسمائهم من أن يلعنها الرعاع، أثبتوا أنهم عبء على الوطن أكثر من غيرهم، لأنهم يملكون القدرة ولا يمتلكون الجرأة، ولديهم العلم وينقصهم الإخلاص، وعندهم الشعارات الرنانة، لكنهم يرفضون إنزالها إلى أرض الواقع.

إلى هؤلاء جميعا نقول شكرا…

إلى الذين قدروا وبخلوا.. وأدركوا الحق وجبنوا.. وعرفوا الطريق فمالوا وزاغوا.

شكرا جزيلا أيها الجبناء.. فقد كشفتم أنفسكم بأنفسكم.. وإلى الله عاقبة الأمور.

مقالات ذات صلة