الرأي

شكرا للسِّنوار

حسين لقرع
  • 1484
  • 2

ما بعد معركة “سيف القدس” ليس كما قبلها.. مقولة جسّدها القائد الكبير يحيى السنوار الذي هدّد بقصف تل أبيب وباقي مدن الاحتلال ومستوطناته مجددا إذا سمح بـ”مسيرة الأعلام” التي كان المستوطنون يحضِّرون للقيام بها في القدس اليوم الخميس للاحتفال بذكرى احتلال المدينة كاملةً في حرب جوان 1967، وقد أربك الإنذارُ الاحتلال إرباكا كبيرا، فمنعها، ثم عاد فأجّلها ورمى المسؤوليةَ إلى حكومة “بينيت – لابيد” التي يُنتظر أن تتشكّل الأحد القادم، وقد يكون إلغاء المسيرة أول قرار تتّخذه، لأن السماح بها يعني تجدُّد الحرب التي أشعلتها المسيرة الأولى التي منعتها صواريخُ المقاومة في 11 ماي الماضي.

هو نصرٌ سياسيٌّ واضح وثمرةٌ لانتصارِ المقاومة في الحرب الأخيرة، وردعِها للاحتلال لأوّل مرة منذ تحرير غزة في أوت 2005، فالعدوّ الذي كان يمضي في تنفيذ سياساته بلا تردّد أو حساب لاعتراض أحد، أضحى اليوم عاجزا متردِّدا مرتبكا، لا يكاد يجرؤ على اتخاذ قرار بتنظيم مسيرةٍ وتأمينها من صواريخ المقاومة بمجرّد أن يتلقى تهديدا من السنوار بقصفها، فهو إذا هدّد نفّذ تهديده بلا تردّد وحدّد لذلك وقتا معلوما لا يتأخر عنه بثانية واحدة، وقد فعل ذلك في 11 ماي الماضي وأمطرت المقاومة تل أبيب بـ130 صاروخا في رشقةٍ واحدة ردا على “مسيرة توحيد القدس”!

هي معادلةٌ جديدة فرضتها المقاومة تنبّئ بأنّ المنطقة مقبلةٌ على تحوّل كبير وغير مسبوق يغيّر فيه الرعبُ معسكره من الفلسطينيين والعرب إلى المحتلين الصهاينة، بفضل استخلاص المقاومة للدروس من الحروب وجولات القتال الماضية ومراكمة قدراتها العسكرية وإعداد ما استطاعت من قوّة لدحر الاحتلال.

الإنجازُ لا يكمن في إيقاف مسيرةٍ عابرة بتهديدٍ صدر من القائد يحيى السنوار، بل يتعلّق ببداية امتلاك أدوات القوّة بشكل يبشّر بوضع حدّ لعربدة الاحتلال وعجرفته وصلفه.. طيلة 73 سنة والاحتلال ينفّذ كلّ ما يريد من دون أيّ اكتراث بردود أفعال الفلسطينيين، وقد شجّعه على ذلك هوانُ السلطة الفلسطينية التي كانت لا تُحسن سوى ممارسةِ سياسة الاستجداء والتوسّل طوال 28 سنة من المفاوضات الفارغة العبثية، والإمعانِ في “التنسيق الأمني” المخزي مع جيش الاحتلال في الضِّفة ومطاردة المقاومين هناك، كما شجّعه التسابقُ المحموم بين عددٍ من الدول العربية على التطبيع والانبطاح إلى درجة الانخراط في تنفيذ “صفقة القرن” التي منحت القدسَ عاصمة موحّدة للاحتلال، واستعدادها لرصد 35 مليار دولار، من مجموع 50 مليارا، لشراء ذمم الفلسطينيين وإسكاتهم عن المطالبة بالقدس الشرقية.. الآن أسقطت المقاومة كلّ هذه الصفقات والمؤامرات والخيانات ومفاوضات “السلام” التي لم تزد الاحتلالَ إلا تغوُّلا ومصادرةً للأراضي والبيوت وتهويدا للمقدّسات، وأخذت زمام المبادرة ونجحت في فرض معادلةٍ جديدة، والقادمُ أفضل بإذن الله حينما تتمكّن المقاومةُ من تحسين تيكنولوجيتها العسكرية وامتلاك صواريخ دقيقة وأسلحةٍ أخرى تفاجئ بها العدوَّ بدعم إيرانيّ فعّال.

ربما كان الوضع يتغيّر ببطء، ولكنّ بثبات، ولا يسعنا إلا التفاؤل ونحن نرى أنّ قدرات المقاومة تتحسّن من عام إلى آخر، وسيأتي اليوم الذي تنقلب فيه المعادلة جذريا وتحرِّر فيه المقاومةُ مناطق متاخمة لغزة وتشرع في الزحف على باقي مدنه ومستوطناته لتحريرها تدريجيا، ويصبح الاحتلال هو الذي يستجدي الحلَّ السلمي ويقدِّم التنازل تلو الآخر للحفاظ على وجوده فقط ولو في نصف أراضي فلسطين وهو الذي يرفض الآن 78 بالمائة منها ويريد ابتلاعها كلها عدا قطاع غزة، ولن تقبل المقاومةُ بغير رحيله.

مقالات ذات صلة