-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

شهرٌ لا مثيل له بين سائر الشهور

سلطان بركاني
  • 512
  • 0
شهرٌ لا مثيل له بين سائر الشهور

ها قد حلّ رمضان، أعزّ ضيف يرتقب وأغلى قادم ينتظر، كلّ عام.. مسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، أرهقتهم أنفسهم الأمّارة بالسّوء بغفلتها وشرودها وإعراضها وصدودها، وثقلت الدّنيا على قلوبهم وأرواحهم فقست وأظلمت.. ينتظرون رمضان ليبدؤوا صفحة جديدة وعهدا جديدا من حياتهم، وكلّهم أمل في أن يوفّقهم الله ليتوبوا ويصلحوا الفوضى التي أفسدت عليهم حياتهم وملأتها هموما وغموما.

أحد عشر شهرا مضت بعد رمضان العام الماضي، مات فيها أكثر من 53 مليون إنسان في هذا العالم، بينهم ما لا يقلّ عن 11 مليون مسلم، وبين هؤلاء آلاف من أقاربنا وخلاننا وجيراننا ومن عرفنا؛ وواريناهم تحت التراب، ودعونا لهم بالثّبات عند السّؤال والحساب.. ربّما بينهم من لم يكن يخطر على باله أنّ رمضان العام الماضي هو آخر رمضان له في هذه الدّنيا.. بينهم من جدّ واجتهد، وهو الآن في قبره فرح بعمله، وبينهم كذلك من كان يظنّ أنّ العمر لا يزال أمامه طويلا، وأنّ التّوبة لم يحن أوانها بعد، وأنّ هناك متسعا من العمر ليتمتّع بدنياه كما يريد، لكنّ الموت فاجأه من غير ميعاد، وأخذه إلى دار الجزاء من غير توبة ولا استعداد. يتمنّى الآن لو يردّ إلى الدّنيا ساعة واحدة من ساعات رمضان التي ربّما لا ندرك نحن الأحياء قدرها وقيمتها، ويضيّعها كثير منّا في النّوم الزّائد عن الحاجة وفي جلسات المقاهي وفي العكوف على الهواتف.. يتمنّى من رحل عن الدّنيا لو يردّ ليعيش ساعة من ساعات رمضان، يتمنّى لو يرجع إلى الدنيا ليصوم يوما واحدا من أيام رمضان ويقوم ولو ليلة واحدة من لياليه، لعلّ رقبته تعتق من النّار.. لكن هيهات، هيهات.

كثير منّا نحن الجزائريين بلغت قلوبهم الحناجر في الأيام الماضية، بسبب خسارة مباراة في كرة القدم يوم الثلاثاء الماضي، وأحسّوا بأنّ هناك ظلما سلّط على بلدهم، وظلّوا ينتظرون على أحرّ من الجمر أن تعاد المباراة، لكنّها لم تُعد.. هذا الموقف يذكّرنا، بموقف العبد بعد سؤال الملكين في القبر، حين يتمنّى لو تمنح له فرصة أخرى ليعود إلى الدّنيا ويعيش حياة مختلفة عن الحياة التي عاشها.. يتمنّى لو تعاد له حياته، بعد أن يوقن بأنّه لم يُظلم وأنّه لم يجد إلا ما قدّم.. يتمنّى لو يُردّ ويمنح فرصة أخرى، لكن هيهات: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.

رمضان ما هو إلا أيام معدودات سرعان ما تنقضي.. وكما عاد سريعا بعد 11 شهرا مرّت كأنّما هي 11 أسبوعا، ستتوالى أيامه بسرعة عجيبة حتّى نجد أنفسنا إن كتب الله لنا الحياة بعد أيام نتحسّر على رحيل رمضان.

عاد رمضان، ولا أحد منّا يدري لعله يكون آخر رمضان يدركه، وآخر رمضان يكون فيه من أهل الدّنيا، وآخر فرصة تتاح له ليكون ممّن يشهد لهم رمضان عند الله الواحد الديّان.

رمضان ليس ككلّ الشّهور، ولا يجوز أبدا أن يمرّ علينا كما تمرّ كلّ الشّهور.. يقول الإمام ابن الجوزي -رحمه الله-: “شهر رمضان ليس مثله في سائر الشهور، ولا فضلت به أمة غير هذه الأمة في سائر الدهور.. الذنب فيه مغفور والسعي فيه مشكور، والمؤمن فيه محبور والشيطان مبعد مثبور، والوزر والإثم فيه مهجور وقلب المؤمن بذكر الله معمور، وقد أناخ بفنائكم وهو عن قليل راحل عنكم، شاهد لكم أو عليكم، مؤْذن بشقاوة أو سعادة أو نقصان أو زيادة، وهو ضيف مسؤول من عند رب لا يحول ولا يزول، يخبر عن المحروم منكم والمقبول، فالله الله أكرموا نهاره بتحقيق الصيام واقطعوا ليله بطول البكاء والقيام، فلعلكم أن تفوزوا بدار الخلد والسلام، مع النظر إلى وجه ذي الجلال والإكرام، ومرافقة النبي عليه الصّلاة والسّلام” أهـ.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!