-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

صدى إعلامي صاخب بلا مقابل مالي يا وزير التعليم العالي!

صدى إعلامي صاخب بلا مقابل مالي يا وزير التعليم العالي!

اعتدت خلال تواجدي بالجامعة الجزائرية منذ أكثر من أربعة عقود على الاستئناس بلغة الخشب والصدى المنبعث منها، كما اعتدت أيضا مشاهدة الحملات والتغطيات الإعلامية واضطلاع قطاع الإعلام بتكثيف الصدى الإعلامي عن زيارة وزير القطاع لتفقّد المؤسسات الجامعية في الولاية الفلانية واجتماعه بالأسرة الجامعية التي لم يُدعَ إليها أمثالي ممن لا يتقنون التصفيق الحار والتطبيل.. إذْ لم أُدعَ في حياتي الجامعية كلها كأستاذ جامعي لحضور وشهود مثل الاجتماعات الوزارية.. وهذا من نعم الله عليَّ وعلى أمثالي.

اعتدت أيضا فضلا عن ذلك التعود على براعة الصحف الوطنية في تغطية تلك الزيارة التفقدية التي تتضمن تدشين قطب جامعي يضم 2000 مقعد بيداغوجي، وافتتاح حي جامعي يتسع لألفي 2000 سرير، وبداخله نادي ومطعم جامعي يتّسع لخمسة آلاف 5000 مقتاتٍ لوجبة جامعية فاخرة جدا، يحلم الطالب أن يأكلها في بيت أبيه حسب الزيارة الوزارية والتغطية الإعلامية طبعا لها.. ومما اعتادت السلطة فعله تلقائيا ومن غير وعي من دون مراعاة للتغيرات الدولية المتسارعة في العالم.. التي لم تعد تهتم بالهياكل أكثر من اهتمامها بإعداد وتكوين الإطارات الكفيئة..

لم يسأل أي وزير نفسه وهو يهم بزيارته التفقدية تلك لقطاعه هذا السؤال السهل والبسيط: ومن سيؤطر هذا الجيش العرمرم من الطلبة؟ وهل وظفنا بمقابل سنفونية التدشين والافتتاح والتفاخر بالصدى الإعلامي من يُعلّم ويكوّن هذا السيل الضخم من حمَلة البكالورية؟ وهل رصدنا الاعتمادات المالية الكافية مقابل كل هذا الصداع الإعلامي البراق والدعائي الفارغ؟ وهل تناقش الوزير يوما ما مع طاقمه الحكومي ومستشاريه حتمية إحراجه بأسئلة كهذه لو يتجرَّأ ويسأله عنها أحد الصحفيين الساذجين أو غير المتمرِّسين بعد في مهمة صياغة تقنية السؤال والتغطية ومن بعدها مهمة القص والحذف وغيرها من التقنيات؟..

تحوي منصة المجلات الآلاف من المجلات والتي تستقبل الآلاف من المقالات والدراسات والأبحاث أيضا، ويجد بعض الأساتذة أنفسهم أمام موضوعات ترِد عليهم من قبل رئيس التحرير لتقييمها في آجال زمنية محدودة حتى يصل الأمر به لتصحيح العشرات بل الأكثر من ذلك بكثير، من دون مقابل مادي يتقاضاه، على عكس من يتعامل مع المجلات العربية والإسلامية التي تمنح مقابلا ماديا معتبرا يتراوح بين (25 و100 دولار) عن كل موضوع يُحكّم.

والحقيقة المؤسفة أنني لا أريد أن أُتعب نفسي أكثر في معالجة الأساليب السلطوية البالية والعتيقة في التعامل مع الملفات والملاحظين من أمثالي.. مكتفيا بتناول ثلاث ملفات جامعية يكثر الحديث والصدى فيها دون وجود مقابل مالي يغطيها، وهذه الملفات هي: 1– ملف الساعات الإضافية. 2– ملف تعويض خبراء المجلات. 3- ملف لجان التأهيل والتقييم الجامعي. هذه الملفات التي تحتاج إلى كثير من التنبيه والتوضيح والحسم، لاسيما وأنها مجالاتٌ مغطاة قانونيا وماليا بمراسيم تنفيذية صادرة في الجريدة الرسمية، وجاري العمل بها. ولكنها في الواقع تعترضها أيدي كثيرة كي لا تجري مجراها القانوني والمالي السهل والاعتيادي، والذي يجب أن يكافئ حجم ودرجة وقوة الصدى الإعلامي الذي يصاحبها خلال زيارة وزير القطاع لمؤسسات قطاعه. وإليكم التفصيل فيها واحدة واحدة:

1– الساعات الإضافية: التي تعترضك في سائر الجامعات من المسؤولين والقائمين على عدِّها وحسابها بداءةً عبارة تحضر دوما في قاموس مسؤولينا وهي عبارة “نسينا أن نضعك في قائمة المستفيدين”، طبعا وهم لم ينسوا الطاقم الإداري والانتفاعي أن يكون على رأس الجداول، أما الأستاذ العامل والمدرِّس الحقيقي والفعلي للساعة الإضافية كحصة بيداغوجية فعلية فهذا هو المنسيُّ، ويقابلونك بعبارة “الجامعة لا تملك الميزانية الكافية”، وأنّ “رئيس الجامعة لم يمنحنا الميزانية الكافية.. ولا نستطيع الحديث معه لجبروته وغطرسته”.. مع العلم أنك إن سألتَ زملاء لك في جامعات وكليات أخرى غير منتجة للعلم ولا للمعرفة ولا للأدب أيضا تجدهم قد استوفوا حقهم في موعده، فمن سيؤطر لك أيها الوزير الأرقام التي كانت وسائلُ الإعلام تتبختر بسردها، إن لم يكن اضطلع بتدريسها الراغبون في الساعات الإضافية والذين أغلبهم من حمَلة الدكتوراه المتعاونين؟ أما تجربتي مع الساعات الإضافية فهي شيءٌ آخر لن أرويها هنا لأنني أدافع عن مشكلة تخصّ الكثير من الجامعات الجزائرية.. فالله الله أوصيك يا وزير التعليم بضرورة تسويتها في حينها، وإلاّ من سيؤطرُ لك ما حكته على لسانك وسائلُ الإعلام؟

2– ملف تعويض خبراء المجلات: تحوي منصة المجلات الآلاف من المجلات والتي تستقبل الآلاف من المقالات والدراسات والأبحاث أيضا، ويجد البعض من الأساتذة أنفسهم أنهم أمام موضوعات ترِد عليهم من قبل رئيس التحرير لتقييمها في آجال زمنية محدودة حتى يصل الأمر به لتصحيح العشرات بل الأكثر من ذلك بكثير، من دون مقابل مادي يتقاضاه، على عكس من يتعامل مع المجلات العربية والإسلامية التي تمنح مقابلا ماديا معتبرا يتراوح بين (25 و100 دولار) عن كل موضوع يُحكّم، فضلا عن مجموعة من الميزات كالنشر في المجلة وحضور سائر فعالياتها وملتقياتها وتفضيل تلامذته المقبلين على مناقشة مذكرة الدكتوراه للنشر فيها وهو المفقود عندنا، ولعلني أضرب مثالا عن تجربتي المريرة في هذا المجال، إذ ظللتُ طيلة سبعا وعشرين سنة أحكم في مجلة كلية العلوم الإسلامية دون أن أحظى بالنشر فيها أو الحصول على مقابل مالي على ما أقدّمه من تقييم وخبرة طيلة هذه السنين الطويلة، ومازلت أحتفظ في بريدي الإلكتروني بعشرات الموضوعات التي حكمتها في السنين الخمس الماضية.. وكلما فاتحتُ رئيس التحرير إلاّ واعتذر وتعلل بعدم وجود ميزانية، ولذا قرّرت التوقف عن هذا العمل الذي أقدّمه لمن لا يستحقه والذي بت أعتبره في غير موضعه؛ إذ ظللت مجرد مُراجِع بالرغم من خبرتي في النشر في العالم العربي والإسلامي في الوقت الذي يعيّن نائبا له من هو عطلٌ بل خلوٌ من النشر.. فالله الله يا وزير التعليم العالي في استمرار صدور مجلات وزارتك.

3– ملف لجان التأهيل الجامعي: منذ أن صار التأهيل الجامعي معمولا به في حقل التعليم العالي وأنا أجد نفسي معيَّنا في لجان التأهيل دون علم مني ودون مقابل مادي البتة أيضا، وبعد تسمية الوزارة لجنة التأهيل الجامعي وصرت عضوا فيها دون علمي ولا استشارتي، ومضت عمليتان تأهيليتان، كانت آخرهما أواخر شهر ماي 2022م ولما سأل أحد الأعضاء رئيس لجنتنا في اجتماع عبر تقنية “الزوم” عن المقابل المادي الذي جاءت تسميته في المرسوم التنفيذي 08/131 المؤرخ في 03/05/200م  المتضمن القانون الأساسي للباحث؟ أجابنا إجابة مثبِّطة ومحبِطة بعد شرح مطول وملتوٍ لكيفيات التعويض بالساعات الإضافية، قائلا: ((إنَّ اللجنة التي انتهت مدَّة خدمتها لم تتقاض أجورَها بعد))، فعليكم بالصبر وإنجاز العمل، فأنجزنا العمل، ولكن أن نعمل بناء على مراسيم وقوانين وصخب إعلامي و.. دون أن يكون ثمنها تغطية وتكفل مالي، فهذا هو العبث بعينه، وهو ما لا أرضى به شخصيا في نهاية خدمتي الجامعية التي ضاعت منها الملايين من الساعات الإضافية والخبرات وتصحيح المئات من أوراق الامتحان بلا مقابل.. فمتى تكفّون عن مثل هذه الممارسات الشنيعة؟ وتريدون تطوير البحث العلمي بالفراغات والتسويف.. والكلام الشجي يطول..

ولعلني أختم بحادثة جرت معي سنة 1996م حينما أراد الراحل الدكتور (محمد خزار 1942-2007م) عميد الكلية السابق (1995-2000م) توليتي منصب نائبه في إدارة الكلية لأن التباشير لاحت له كي يصير رئيسا للجامعة، فلما أحضرني إلى مكتبه وعرض عليّ الأمر بحضور الراحل الأستاذ الدكتور حسن رمضان فحلة، سألته قائلا: (وهل يخلو العمل الإداري من الكذب مطلقا؟) فأجابني الراحل بصدق ويعلو وجهَه الطيب ابتسامةٌ ساخرة من سذاجتي قائلا: (نعم فيها شيء بل أشياء من الكذب والمداهنة والدبلوماسية))، ساعتها أجبته قائلا: ((لا أريد أن أنتقل بسرعة البرق من عالم الإيمان إلى عالم النفاق، لأن المنافقين في الدرك الأسفل من النار))، فانقلب على ظهره يرحمه الله يقلّب كفيه ذات اليمين وذات الشمال ضاحكا مستغربا متعجِّبا من سذاجتي.. فاعتبروا يا من تغترّون بالمناصب الزائلة، وأمُر يا سعادة الوزير عمالك أن يدفعوا لنا حقوقنا تسلم في الدنيا والآخرة.. لأننا كما قال الشاعر:

نؤوب إذا آبوا ونغزو إذا غزوا *** فأنّى لهم وفر وليس لنا وفر..

أللهم اشهد أني بلغت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • فاتح

    تتحدثون عن معاناتكم، وتغفلون ذكر معاناة إخوانكم من حملة الدكتوراه البطالين. الذين لا يجدون لقمة العيش جراء التهميش الكلي الذين يتعرضون له من قبلكم ، ومن قبل الوزارة التي ترفع لها تظلمك. وهم زملاؤكم في المهنة يحوزون نفس الشهادات التي تحوزونها. ويمتهنون ذات المهنة التي تمتهنونها. والفارق الوحيد بينكم وبينهم؛ أنكم مدمجون في الوظيف وهو ليسوا كذلك. من أكبر المشكلات التي تعاني من الجامعات الجزائرية ضعف التأطير بسبب اعتماد الوزارة على نخب من الشباب من يشتد عودهم العلمي. وفي ذات الوقت تهميش الإطارات التي كونتها الجامعة ودفعها إما للبطالة وأما لامتهان وظائف أخرى لا تليق بالمؤهل العلمي الذي تحوز، وإما دفعها للهجرة الخارجية لتستفيد منها دول أخرى.

  • Imazighen

    بدعة الساعات لاضافية، أفسدت ساعات التدريس الحقيقية...الاغضل إلغائها وتعوبضها بالدوام...