صراع الإرادات
من الواضح أن الجيش، قد حسم أمره نهائيا، وبشكل لا رجعة فيه.
خلال الأسابيع المقبلة، سيبدأ التحضير للانتخابات الرئاسية، وتنصيب اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات والإشراف عليها، ثم انتخاب رئيس جديد مع بداية العام المقبل 2020.
خارطة طريق واضحة ومعلومة ولم تتغير، المؤسسة العسكرية ذاهبة في هذا الاتجاه، ولا يوجد أي مؤشر على تغير المسار منذ اليوم الأول، على الرغم من تعثر انتخابات 4 جويلية.
الجديد أن في خطاب قائد الأركان نائب وزير الدفاع الأخير من وهران، عبارات أكثر إصرارا و بلهجة أقوى، عبارات تحمل تصميما لا يخالجه شك أو تردد.. يتضح ذلك في هكذا عبارات (التصدي بكل قوة وصرامة)، (لن نسمح) (سنعمل دون هوادة على إفشال المخططات الخبيثة)، (المؤسسة العسكرية ستتصدى بكل قوة) .. إلخ
وهذا يعني أن الأطراف المراهنة على تغير موقف الجيش، من المرحلة الانتقالية، أو عبر الضغط لإحداث أي تراجع أو خرق، من أجل فرض مبدأ التعيين بدل الانتخاب، أو فرض التفاوض بدل الحوار، قد فشلت بالكامل، وأن أساليب الضغط الحالية، الممارسة تحديدا عبر مسيرات الحراك بطبعته الحالية، لم تِؤت أكلها.
في المقابل، نرى موقف القوى الرافضة للمسار الذي ارتضاه الجيش، أو تلك المنادية بالمرحلة الانتقالية أو المجلس التأسيسي، متخندقة أيضا في مواقفها، متصلبة في شعاراتها الراديكالية، ولا تكاد تبرح تلك المواقف إلا عبر مناورات من هنا أو هناك.
هذه القوى هي أيضا، لديها قاموسها الخاص في التصميم وعدم التراجع، عبر التلويح بالتصعيد، العصيان المدني، دعوات للانقلاب داخل الجيش (نموذج خالد نزار)، وربما التلويح بالعصيان (العسكري) والفوضى الشاملة.. إلخ
وهذا يعني أننا أمام “صراع إرادات” حقيقي، من جهة مؤسسة الجيش، وكل من يلتف حولها من المؤمنين بالحل الدستوري، بوصفه الحل الأقل كلفة، والأكثر أمانا في سبيل الحفاظ على وحدة واستقرار البلاد، ومنعا للتدخلات الخارجية، التي بدأت تطل برأسها مؤخرا أكثر فأكثر..
ومن الجهة الأخرى قوى محلية ودولية متربصة، تريد الحل السياسي والمرحلة الانتقالية، وهذه القوى بعضها وطني صادق، يعتقد أن الديمقراطية الحقة تقتضي هكذا مسارات، للقطع مع منظومة الحكم السابق، وبعضها الآخر خبيث يترصد أي خطأ، لتوريط البلد واستدعاء التدخل الخارجي.
المعركة سيحسمها الشعب ولا شك، بطريقته الخاصة، إما عبر الإقبال يوم الانتخاب على الصناديق بكثافة، أو بالمقاطعة وتعطيل الانتخابات مرة أخرى بطريقة أو بأخرى.
وهنا من المهم التنويه، أن صراع الإرادات هذا يشبه لعبة عظ الأصابع، من يصرخ أولا يخسر.
إذا انتصرت إرادة الحل الدستوري، التي يدعمها الجيش بقوة، فإن الجزائر قد تمضي إلى الأمام، ليس فقط لأن الرئيس المقبل، سيكون منتخبا في كل الأحوال، وليس فقط لأن الديمقراطية ستكتسب رصيدا جيدا، حتى وإن كنا نعلم أننا لن نتحول بين ليلة وضحايا الى السويد، وإنما لأن البلاد ستتجاوز مرحلة الخطر، ومرحلة الاستهدافات والتربصات الداخلية والخارجية، وستحافظ على وحدة البلاد وسلامة أراضيها.
أما إذا انتصر الطرف الآخر في فرض أجندته، في منع الانتخابات، فسنكون أمام احتمالات مفتوحة وجد خطيرة، بينها الدخول في مرحلة صراعات مجتمعية ضخمة جراء فرض المرحلة الانتقالية، قد تفجر بسبب تناقض المصالح والهويات، وحدة الشعب والتراب، أو سنكون أمام إعلان حالة الأحكام العرفية والطوارئ.
أي الخيارات أسلم؟.. على الشعب أن يحسم “صراع الإرادات هذا بنفسه”، عبر استدعاء عبقريته الجماعية، في التخندق مع وطنه.