-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

صفحة جديدة مع عام جديد

سلطان بركاني
  • 472
  • 0
صفحة جديدة مع عام جديد

رحل العام 1443هـ، وطويت أشهره وأيامه وساعاته.. رحل يحمل جراحنا وأفراحنا وآلامنا وآمالنا.. والأهمّ أنّه يحمل أعمالنا ما كان منها صالحا وما لم يكن كذلك؛ يحمل اجتهاد المجتهدين وتفريط الغافلين.. 355 يوما، فيها 1775 صلاة.. تُرَ مَن الموفّق بيننا الذي صلاّها جميعها في وقتها ولم يؤخّر صلاة منها عن وقتها؟ من منّا صلاّها جميعا في بيت الله؟ لا شكّ في أنّ بيننا من وفّقوا لذلك، كما بيننا من الغافلين المفرّطين الذين ألهتهم الدّنيا وغلبتهم أنفسهم فضيّعوا عشرات بل مئات من هذه الصّلوات، وهي الآن مكتوبة في صحائفهم كبائر يحاسبون عليها عند الله.

مضت 12 شهرا متعاقبة، لا شكّ في أنّ بيننا من ختم فيها القرآن 12 مرّة وأكثر، وبيننا في المقابل من لم يختم ولو ختمة واحدة قبل رمضان ولا بعده.. منّا من أدخل السّرور في هذا العام عشرات المرات على قلب أبيه وفؤاد أمّه، ومنّا من أدخل الحزن والألم على قلب أبيه وأسال دمعات أمّه مرّات ومرّات.. منّا من تصدّق لبناء بيوت الله يبتغي الأجر من الله، وأنفق في كفالة الأرامل واليتامى.. ومنّا من أنفق في اقتناء السّجائر وتخوّضَ في مال بغير حقّ وأنفقه في الشّهوات وسهرات الأعراس.. منّا من نشر في مواقع التواصل منشورات كثيرة تحضّ على الخير ونأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتابع مقاطع كثيرة تنفعه في دينه ودنياه.. ومنّا -في المقابل- من شارك عشرات ومئات المنشورات التي تحرّض على الشّهوات وتهوّن من أمر الفرائض وتجرّئ على حدود الله، وقد جرّت عليه تلك المنشورات التي شاركها ملايين السيئات من حيث لا يشعر: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾.

عام مضى ونقص من أعمارنا؛ ازددنا به قربا من قبورنا وبعدا عن الدّنيا.. حريّ بكلّ واحد منّا أن يحاسب نفسه على أيامه ولياليه، وينظر ماذا قدّم فيه وماذا أخّر، ويحمد الله على الأعمال الصّالحة التي وفّق لها، ويحزن ويتوب من الأعمال السيئة التي اجترحها، ويعقد العزم على أن يبدأ صفحة جديدة وحياة جديدة مع بداية عام جديد، وكلّه عزم على أن يكون أفضل وأقرب إلى الله، وأكثر استعدادا للقاء الله.

النّفس بطبعها تحبّ الجديد وتتحرّك للجديد، وتتمنّى التجديد.. ليس بيننا من هو راض عن نفسه قانع بعمله، مستعدّ للقاء ربّه.. كلّ واحد منّا يعرف عيوب نفسه ويعلم تقصيرها ومطّلع على سوء فعالها: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾.. جميعنا في حاجة إلى تجديد حياتنا، لتكون الآخرة محورها، في زماننا هذا الذي أصبحت فيه الدّنيا أكبر همّ يحمله كثير من المسلمين ويعيشون له وينفقون فيه أوقاتهم وأموالهم.. لقد تشتّت شملنا وتعثّرت كثير من أمور دنيانا، لأنّنا نؤمن بالله واليوم الآخر ونؤمن بالحساب والجنّة والنّار وندعو الله أن يجعلنا من أهل الجنّة، ثم نجعل الدّنيا أكبر همّنا ونعطيها جلّ أوقاتنا وننقر لأجلها صلاتنا ونهجر مساجدنا ونؤخّر صلاتنا ونقطع أرحامنا.. لذلك فالله يبتلينا بتشتّت شملنا وكثرة همومنا وضياع أبنائنا وذهاب البركة من أموالنا.

هذه الحال لن تسعدنا في الدّنيا ولا في الآخرة؛ لذلك نحتاج لأن نتحوّل عنها، ونجدّد حياتنا ونجعل الآخرة محورًا لحياتنا؛ نعمل ونحرص على الرزق الحلال.. نبيع ونشتري ونلزم الحلال والحرام.. نضحك ونمزح لكن لا نكذب ولا نقول إلا الحقّ.. نلبس ما نشاء لكننا لا نكشف ما حرّم الله كشفه من عوراتنا.. نعمل ونجلس للحديث بعضنا مع بعض، لكن إذا أذّن مؤذّن الصّلاة قمنا من دون تردّد ولا تلكؤ لنؤدّي حقّ الله الذي لأجله خلقنا…

تجديد الحياة لا يعني أن نترك الدّنيا، إنّما يعني أن نعيش الدّنيا بما أحلّ الله، ونلزم فرائض الله ونحافظ عليها، ونجعل الدّنيا في أيدينا والآخرة في قلوبنا، ونؤثر الآخرة الباقية على الدنيا الفانية.

أصحاب الأموال يجلسون هذه الأيام لحساب حقّ الله في أموالهم.. ونحن جميعا في حاجة لأن نجلس مع أنفسنا مع بداية عام جديد لنحسب حقّ الله في حياتنا، حقّ الله في أوقاتنا وساعات أيامنا.. الأموال لا بدّ فيها من زكاة، وكذلك أعمارنا وأوقاتنا تحتاج إلى جلسة لننظر حقّ الله فيها فنخرجه طيبة به أنفسنا، ثمّ نتصدّق من أعمارنا وأيامنا وساعاتنا لله، ولقبورنا ووقفتنا يوم القيامة.

كلٌّ منّا، في حاجة لأن يجلس هذه الأيام مع نفسه، لينظر في حاله، إن كانت حياته لله أم هي للدّنيا الفانية.. لينظر كيف تمضي أيامه، وهل هو في زيادة أم في نقصان؟ هل يزداد قربا من الله مع اقترابه أكثر وأكثر من قبره؟ يقارن حاله اليوم بحاله قبل 5 سنوات مثلا، وينظر ما الذي زاده في حياته؟ كان لا يصلّي الصّبح في وقتها، ثمّ صار الآن يصلّيها كلّ يوم في بيت الله.. كان لا يقوم الليل، وهو الآن يقوم بركعات قبل الأذان الثاني للفجر.. كان لا يقرأ القرآن وهو الآن يختمه كلّ شهر.. كان لا يحفظ سوى سور متفرقة، وهو الآن يحفظ أجزاء منه.. هل هكذا تسير حياة العبد المؤمن أم إنّ حاله قبل خمس سنوات هي حاله الآن؟

العام الجديد يذكّرنا بتجديد حياتنا، بإضافة طاعات جديدة إلى يومياتنا، بترك عادات سيئة مرّت سنوات ونحن مقيمون ومصرون عليها.. يجلس الواحد منّا مع نفسه ويحاول أن يحصي عيوبه ونقائصه، ويحصي العبادات والطاعات التي لا يزال محروما منها، ثمّ يتخذ قراره مستعينا بالله، بأن تكون هذه العبادات والطاعات جزءًا من حياته الجديدة، وتخلو حياته الجديدة من تلك العادات السيئة التي نغّصت أيامه وأرّقت لياليه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!