-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

صلاة الاستسقاء.. والجدل الذي آن له أن ينتهي

سلطان بركاني
  • 1869
  • 0
صلاة الاستسقاء.. والجدل الذي آن له أن ينتهي

طفا إلى السطح هذه الأيام نقاش طويل حول ظاهرة العزوف عن صلاة الاستسقاء وجدوى هذه الشّعيرة التي تحوّلت إلى “عمل رسميّ” في نظر بعض النّاس (!)؛ حيث رأى بعض النّاقمين أنّ الجهات المسؤولة تؤخّر الإعلان عنها في أيام تشرئبّ فيها القلوب إلى الغيث، لتعلن عنها بعد ذلك تزامنا مع توقّع مصالح الأرصاد قدوم اضطراب جوي، وذهب بعضهم إلى حدّ القول إنّ صلاة الاستسقاء الرسمية أصبحت تتسبّب في انقشاع السحب وتأخّر الأمطار أو قلّتها، وتمنّوا لو أنّ الأمور تترك لخالق السماوات والأرض ليعامل خلقه برحمته وفضله، خاصّة أنّ المنكرات قد طفحت وأنّ إقامة الاستسقاء مع الإصرار على الذنوب والمعاصي لن يقدّم شيئا، بل قد يتسبّب في طول أمد الجفاف!

من يسمع ما يقوله الجزائريون ويقرأ ما يكتبونه على مواقع التواصل يلمس تذمرا متزايدا من صلاة الاستسقاء الرسمية، بل وتشاؤما عند بعضهم! حتّى أصبحت تقام في أكثر المساجد بأعداد قليلة جدا، مقارنة بالجموع الجامعة التي تحضر صلاة العيدين، بل إنّ بعض المساجد لم تقم بها الصّلاة بسبب عزوف النّاس عنها، ولو ذهبنا نرصد مبرّرات المتخلفين عن هذه الصّلاة، لسمعنا من يستنكر الإصرار على ربطها بقرار رسميّ ويرى أنّ مثل هذه الشعيرة يفترض أن تترك لتقدير الأئمّة بالتشاور مع رواد المساجد، حسب حاجة المناطق إلى الغيث، كما يرى البعض أنّ هذه الصلاة يفترض أن تُقام في يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، قريبا من وقت صلاة الجمعة، وليس في يوم السبت الذي له خصوصية عند اليهود.. ومع أنه لا محذور ولا كراهة في إقامة شعيرة الاستسقاء يوم السّبت، إذا لم يقصد بها تعظيم اليوم، إلا أنّ مراعاة نظرة النّاس في هذه المسألة مطلب شرعيّ يفترض أن يُراعى، يقول أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-: “حدثوا الناس، بما يعرفون أتحبّون أن يكذَّب، الله ورسوله”.

نظرة النّاس يفترض أن تراعى -كذلك- في تذمّرهم من تأخير الإعلان عن صلاة الاستسقاء من دون أيّ توضيح يقدّم؛ حيث يحدث أن تتوالى أيام الصّحو، وترتفع درجات الحرارة لتتجاوز المعدّل الفصليّ ويتحوّل الشّتاء إلى ربيع، وتشرئبّ أعناق النّاس تنتظر الإعلان عن صلاة استسقاء عاجلة، ويتحدّث الأئمّة في وسائط التواصل عن انتظارهم قرارا رسميا، ومع ذلك يتأخّر الإعلان في بعض الأحيان من دون مبرّر، حتّى يفتن النّاس وتتطرّق الشّكوك إلى قلوبهم ويتحدّث بعضهم عن أنّ الجهات المخوّلة تنتظر إعلان مصالح الأرصاد عن قدوم اضطراب جوي، لتعلن عن صلاة الاستسقاء! وهذا ظنّ -لا شكّ- خاطئ، لكنّ له ما يبرّره، وهو ما يحتّم تقديم توضيحات تزيل الشّكوك، حتّى لا يفتن النّاس في دينهم، ويفقدوا الثقة بأئمّة المساجد والجهات التي يرجعون إليها، وينظر إلى صلاة الاستسقاء على أنّها صلاة رسمية!

الأئمّة من جهتهم مطالبون بتوعية النّاس بحقيقة صلاة الاستسقاء، وتوضيح أنّها عبادة يقصد منها إظهار التذلّل والافتقار إلى الله، والتوبة إليه من الذّنوب والمعاصي، بعد ردّ المظالم وإصلاح ذات البين؛ فهذه الصّلاة هي محطّة للمراجعة والتوبة، قبل أن تكون اجتماعا لطلب الغيث، ولذلك يقول جمهور العلماء إنّ النّاس لو تداعوا إلى صلاة الاستسقاء ثمّ نزل الغيث قبل إقامة الصّلاة، فإنّهم يقيمونها، لأنّ الاستسقاء عنوان توبة وضراعة وتمسكن، ودعاء بأن يكون الغيث نافعا غير ضارّ، عامّا غير خاص بمكان دون آخر. وعلى هذا فإنّ استهزاء بعض المسلمين (!) بمن يقيم صلاة الاستسقاء بالتزامن مع هطول المطر، لا يفقه الحكمة من هذه الشّعيرة، وأنّها تتعدّى مجرّد الدّعاء بنزول المطر، إلى طلب بركته ونفعه واتّساع رقعته، وإلى إظهار الافتقار إلى فضل المنعم ورحمته وكشف غضبه.

كما أنّ النّاس في حاجة إلى التوعية بخطر حبس الغيث، على البشر والأرض والشّجر؛ فنعمة وجود الماء في حنفيات البيوت لن تدوم مع توالي شهور القحط والجفاف، ووجود السّميد في المحلات مع فتح باب الاستيراد، لن يدوم، والأوبئة التي يسبّبها الجفاف لن تحصر، والأنكى من هذا أنّ حبس الغيث ربّما دلّ على حلول غضب الله على عباده، والعباد لا طاقة لهم بغضب الخالق سبحانه.

إنّه لأمر مؤسف حقا، أن يستمرّ هذا الجدل حول شعيرة من شعائر الله، إلى الحدّ الذي تصبح معه صلاة الاستسقاء محلا للسّخرية والتندّر، وإقامتها باعثا للتذمّر عند بعض المسلمين (!).. شعائر الدّين يفترض أن تحترم، وتؤدّي إقامتها وإظهارها إلى إعزاز الدّين وزيادة إيمان المؤمنين، وليس إلى الجدل الذي يقسّي القلوب ويشكّك النّاس في دينهم.. وقت هذه الصّلاة ينبغي أن يلقى الاهتمام وتتمّ مراجعته من قبل الجهات المسؤولة، والعلماء والدّعاة والأئمّة ينبغي لهم أن يكثّفوا جهودهم في توعية النّاس بحقيقة هذه الشّعيرة وبسنن الله في تدبير شؤون خلقه وإجابة دعاء عباده، وعامّة النّاس ينبغي لهم أن يتّقوا الله فيما يقولون وما يكتبون، فهذا دين الله، ونحن جميعا مقرّون بأنّ الخلل فينا وليس في الصّلاة، فلتتوجّه الهمم إلى دعوة بعضنا بعضا إلى التوبة والإصلاح، وإلى الكفّ عن الإفساد في الأرض، ليغيث الله قلوبنا قبل أرضنا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!