-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

صناعة الجمال

حسان زهار
  • 1387
  • 0
صناعة الجمال

منذ العقد الخامس من القرن الماضي، أصبح الجمال الإنساني، وتحديدا جمال المرأة، صناعة قائمة بذاتها، تقوم عليها شركات ومصحات عالمية كبيرة، بداية من إنتاج أدوات التجميل والعطور المختلفة، مرورا بآخر صيحات الموضة في االلباس والأكسسوارات وعيادات التجميل وقاعات اللياقة والرشاقة، وصولا إلى عمليات التسويق والماركتينغ والسينما ومسابقات ملكة جمال العالم (Miss World) أو ملكة جمال الكون وما إلى ذلك..

ولقد افتتن الناس، في مختلف بقاع العالم، بهذه الصناعة أيما افتتان. فمسابقات ملكة جمال العالم، يشاهدها سنويا عبر التلفزيون نحو 200 دولة، وما لا يقل عن ملياري نسمة. وتمتلك بعض الدول، على غرار منافسات كأس العالم لكرة القدم، تاريخا حافلا في الميدان، وألقابا كبيرة على غرار فنزويلا والهند وبريطانيا، إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذه المسابقات، بل إن صناعة الجمال تحولت إلى سلعة يومية، تسوق كما تسوق باقي ضروريات الحياة، بينما معدلات الاستهلاك في هذا المجال، لا تنفك تتصاعد بشكل كبير.

وما يلفت الانتباه في هذا المجال، أننا في الجزائر لا نزال في ذيل القائمة العالمية في هذا الموضوع الحساس المتشعب، ليس فقط من خلال الصور الصادمة، التي عادة ما نتلقاها جراء رؤية صور “ملكات جمال الجزائر”، من مستويات جمال متدنية، بل ومحبطة، حيث تفتقد تلك المسابقات أدنى المعايير العالمية.. وإنما، لأننا بتنا فعلا نعاني أزمة جمال واضحة لدى المرأة وربما لدى الرجال أيضا، تماشيا مع فقدان الذوق العام، وانهيار جماليات الفن والرسم والموسيقى والشعر، وفقدان المحيط لجمالية الخضرة والورد، مع سطوة القمامة.

صحيح أننا في العالم العربي، في ما عدا بعض التقاليد الجمالية في لبنان ومصر، ما زلنا بعيدين جدا عن هذه الصناعة، أو تحويلها ناحية الإبداع واستثمارها في التنمية، إلا أن ما يحدث من تراجع في مجال الذوق الجمالي عندنا، بات مخيفا حقا، وهو يشبه حالة التراجع المقلق للجمال والأنوثة في شوارعنا، مقارنة بالعقود الماضية فقط، حيث كان (الزين الجزائري)، مضرب الأمثال، وحالة طبيعية متدفقة بالحياة والأناقة، الأمر الذي يطرح معه أسئلة كبيرة عن السر الكامن وراء هذه الظاهرة.

وإذا سلمنا بداية، بأن الجمال ليس مظهرا شكليا خارجيا فقط، وبأنه علاوة عن ذلك، ثقافة وأسلوب حياة وأخلاق، نكون قد اقتربنا من فهم هذه الكارثة التي نعيشها في صمت، وهي أن انحدار المستوى الثقافي والتعليمي، وهذا الانحدار الأخلاقي، الذي أسهمت التكنولوجيات الحديثة بقسط وافر في تشكيله لدى الأجيال الصاعدة، تقف وراء حالة من النكوص في ما يمكن تسميته “صناعة البشاعة”، التي باتت بدورها تشكل حالة من الهجوم المضاد، بهدف تخريب ما تبقى من ذوق عام، عبر تحويل القصائد النزارية مثلا إلى “تبراح في كباريهات”، وموسيقى بيتهوفن إلى “روبوتيك”، وجمال “حيزية” إلى أنوشة مافيا.

بالمختصر، نحن أمام معضلة كبيرة، حلها الأبرز في إنقاذ ما تبقى من جمال المرأة والأنوثة الحقيقية، بهذا وحده، يمكن أن نعيد للزين الجزائري، ومنه نعيد للشعر والموسيقى والمحيط الطبيعي، الرونق المفقود، وللبلاد قدرتها على التحدي واكتشف جماليات الديمقراطية والحرية والتداول على الحكم.. فيوم لا يكون لدينا مشكلة، في إيجاد وجوه جزائرية بارعة الجمال، يمكن أن تكون على غلاف المجلات بلا عقد، وأن تتربع مبهرة على شاشاتنا وقنواتنا الإعلامية، وتتحرك بسحر كبير على رأس مؤسسات الدولة والوزارات وغيرها.. ساعتها، يمكننا أن نأمل في غد أفضل، ومشرق كوجه حسناء ذات جمال ودين. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!