-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

صنم الموضة!

سلطان بركاني
  • 907
  • 0
صنم الموضة!

“الموضة” كلمة أضيفت إلى اللّغة العربيّة كترجمة لكلمة “mode” الأجنبية، وتعني “ابتكار نماذج جديدة من اللِّباس ووسائل الزِّينة”، وليس يخفى أنّ ناصية الابتكار في هذا المجال ليست بيد المسلمين، ولا حتى بيد عقلاء البشر الذين يحترمون الفطرة البشريّة ومقتضيات العقل، لكنّها بيد جهات ارتأت أن تكمّل الدّور الذي اختاره الشّيطان لنفسه، في تعرية بني آدم وإظهار سوءاتهم ((يَا بَنِي آَدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا)) (الأعراف، 27).

ليس غريبا في زمن تكاثر الأوثان وتعدّد الأصنام والآلهة والمعبودات، أن تصبح “الموضة” صنما، يَتعبّد له المتعبّدون ويتبتّل في محرابه المتبتّلون.. لكنّ ما يحزّ في النّفوس أنّ أكثر صرعى هذا الصّنم هم من المسلمين الذين ألغوا عقولهم وتنكّروا لشريعة خالقهم، خاصّة في أوساط الشّباب الذين أصبحت الموضة همًّا من الهموم التي تشغل بال كثير منهم، وتحدوهم لمسايرة الجديد في عالم الألبسة واقتناء كلّ ما يستجدّ في رفوف وواجهات المحلات من سراويل وأقمصة وأحذية تتنوّع وتتبدّل عاما بعد عام، بحسب ما تتفتّق عنه قرائح مصممي دور الأزياء العالمية الذين يوحي إليهم قرناؤهم كلّ عام بأزياء وألوان تحوّل لابسيها إلى مهرّجين ومجانين لا يجدون غضاضة في لبس المرقّع والمقطّع والمتدلّي. المهمّ بالنّسبة إليهم أن يكون جديدا وينعت بأنّه موضة العام! وهو الواقع الذي جعل تجار الألبسة يلهثون خلف الجديد في عالم الألبسة كلّ عام، ويقتنون أكثرها غرابة، لأنّ التّجربة علّمتهم أنّ هذا النّوع من الألبسة هو الأكثر رواجا بين شباب لا يجدون غضاضة في إنفاق الأموال الطائلة لشراء الضيّق والمتهرئ والمرقّع والمقطّع، لا لشيء إلا لأنّه موضة يخرج بهم عن المألوف ويلفت إليهم الأنظار!

أمّا النّساء، فلهنّ قصب السّبق في الاهتمام بالجديد في عالم موضةٍ تزري بالعقول وتجعل الحليم حيرانا؛ يبحثن عن جديدها بين القنوات والمواقع والمجلات؛ فلكلّ موسم لباسه، ولكلّ عام موضته، وما كان موضة في عام يصبح لباسا منتهي الصلاحية في العام الذي يليه! أمّا المرأة التي لا تساير الموضة ولا تتبتّل في محرابها ولا تبحث عن جديدها فينظر إليها في العوالم النسائية على أنّها امرأة متخلّفة ليس لها ذوق.. موضة تنقل المرأة المسلمة كلّ عام من الضيّق إلى الأكثر ضيقا، وتزيدها تعلّقا بالمظاهر والأزياء وبعدا عن خالقها ودينها.

صيحات الموضة لم تقتصر على ألبسة الأفراح والمناسبات، بل شملت اللّباس اليوميّ، ولم تسلم منها كثير من المحجّبات، اللاتي أصبحن ينظرن إلى الحجاب على أنّه لباس يخضع كغيره من الألبسة للتطوّر واختلاف الأذواق، وأصبحنا نسمع بأنواع متعدّدة للحجاب! من الحجاب التركي والخليجي إلى الحجاب “ستايل”… إلى آخر ما هنالك من الأسماء والأنواع التي لا تراعى فيها شروط الحجاب ولا مقصده الأسمى في ستر المرأة وإخفاء زينتها. كما امتدّ الهوس بالموضة من اللّباس إلى تسريحات الشّعر والأصبغة وإلى عمليات التجميل والتنحيف التي أدخلت كثيرا من النّساء في وساوس لا تنتهي، عندما أصبحت بعضهنّ ينفقن الأموال الطّائلة في عمليات يعرف لها أوّل ولا يعرف لها آخر.

لقد وقعت كثير من نساء وبنات المسلمين في مستنقع الموضة الآسن وغرقن فيه إلى مفارق رؤوسهنّ، وأصبحن أسيرات لشركات الموضة التي تتلاعب بهنّ كيفما يحلو لها، وتغيّر قناعاتهنّ بين عشية وضحاها؛ فما يعتبر اليوم تخلفا يمكن أن يصبح في الغد موضة وتحضرا، ويصبح مرّة أخرى دليلا على التخلّف وفساد الذّوق بعد غد… فهل آن لفتيات ونساء المسلمين أن يستيقظن من غفلتهنّ ويعتقن رقابهنّ من العبودية لهذا الصّنم الجديد الذي جعل المظاهر الفانية هي الهمّ الأكبر الذي يملأ حياتهنّ بعيدا عن همّ الدّين وهمّ الأمّة، وهمّ الوقوف بين يدي الله للحساب؟ إنّه منتهى التّعاسة أن يصبح قصارى همّ امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر لا يتعدّى المظاهر الفانية والخرق البالية، يقول نبيّ الهدى -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: “”تعس عبد الدينار والدّرهم والقطيفة، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض”.. وهل آن لشباب هذه الأمّة أن يتحرّروا من ربقة التّقليد الأعمى الذي جعلهم ألعوبة في أيدي العابثين المتربّصين بهذه الأمّة وبشبابها؟ وهل آن لأصحاب الضّمائر الحية من التجار والمسؤولين أن يوقفوا هذا العبث؟

مدنٌ أمريكية وغربية كثيرة تفرض قيودا على اللّباس، خاصّة في المدارس والجامعات، بل وفي الأماكن العامّة؛ ففي ولاية لويزيانا مثلا صدر قرار بحبس كل من يرتدي السّروال الساقط لمدة 6 أشهر وتغريمه 500 دولار، وفي ولاية نيوجرسي يجبر من يلبسون السراويل الساقطة بدفع غرامة مالية كبيرة والقيام بأعمال لخدمة المجتمع؛ أ فلسنا نحن المسلمين أولى بمثل هذه القرارات والقوانين لوقف هذا الانحدار المتسارع نحو الهاوية؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!