-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مجندون لملاحقة المجرمين الإلكترونيين.. و"الشروق" تدخل قطبهم المتخصص

“صواعق القضاء”.. حصنُ الجزائر ضد الحرب السيبرانيّة

نوارة باشوش
  • 2638
  • 0
“صواعق القضاء”.. حصنُ الجزائر ضد الحرب السيبرانيّة
الشروق

رجاء… احذروا وتأهبوا واتخذوا إجراءات وقائية ضد التهديدات السيبرانية والجرائم المعلوماتية وهجوم البرمجيات الخبيثة… هناك مجرمون إلكترونيون يحاولون التجسس عليكم واختراق حساباتكم ويسرقون بياناتكم الشخصية وحتى أموالكم، بل يستهدفون قاعدة المعطيات لمؤسسات الدولة وهيئات سيادية، ويحاولون نشر الفتنة والكراهية والأخبار المغلوطة التي تؤدي إلى تهديد وزعزعة أمن الجزائر واستقرارها… بل هناك أشرار يمارسون النصب والاحتيال عن طريق التجارة الإلكترونية، وآخرون يتفننون في التلاعب بعقول النساء والقصر بهدف استدراجهم ثم ابتزازهم وحتى استغلالهم جنسيا…
هي تحذيرات وجهتها، للجزائريين عامة ولمؤسسات الدولة خاصة، نيابة الجمهورية وقضاة متخصصون في مكافحة الإجرام السيبراني بالقطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال “TIC” المتواجد بالدار البيضاء بالجزائر العاصمة، لأجل تفادي الوقوع في مصيدة “المجرمين الإلكترونيين” الذين يستخدمون تكتيكات الهندسة الاجتماعية والاقتصادية لانتهاك البيانات شخصية للأفراد وقرصنة قاعدة بيانات البنوك ومعطيات مؤسسات الدولة، مشكلين تهديدا مباشرا للأمن القومي والبنى التحتية الحيوية للبلاد.
وهذا الصدد، يخوض قضاة القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال، معارك يومية في العالم الافتراضي، ضد قراصنة يستهدفون أمن البلاد واقتصادها ودفاعها، وجماعات أشرار يمارسون النصب والاحتيال عن طريق التجارة الإلكترونية ويخترقون حسابات شخصية لمواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، بينهم نساء وقصر بهدف استدراجهم أو ابتزازهم، حيث حذر قضاة القطب من الثغرات التي تسهل مهمة هؤلاء المجرمين لاختراق المواقع والحسابات والوصول إلى معلومات أو صور شخصية تتحول إلى نقطة ضغط وقد تجر الضحية إلى الوقوع في شرك الابتزاز والاستغلال.
الأخطر من ذلك، وبلغة الأرقام، سجل القطب 600 إخطار يتعلق بالجريمة الإلكترونية خلال سنة 2023، كما يسجل يوميا حالات انتهاكات لبيانات شخصية وقرصنة لقاعدة وبنوك البيانات والمعطيات لمؤسسات وطنية، حيث أصبح الأمن القومي مهددا بهذه الممارسات الإجرامية، والتي استوجبت تجنيد آليات مواجهة الجريمة الإلكترونية عبر مواقع التواصل وتبيان أساليب الحماية المعلوماتية أو ما يعرف بالأمن السيبراني ودوره في قمع التجاوزات والجريمة المعلوماتية التي استحضرتها الممارسات السيئة لتكنولوجيا الاتصال.

من أجل جزائر صامدة سيبرانيّا
“الشروق” ولجت حصريّا عالم الحماية والتصدي للجرائم المعلوماتية والسيبرانية، أين يتم ردع القراصنة والمجرمين الرقميين من فئة “الهاركز” وأصحاب البرامج الخبيثة ” الطراودة”، وعاشت ساعات طويلة في فضاء الـ TIC رفقة قضاته المتخصصين في مجال السيبرانية والأدلة الإلكترونية، وهي المدة التي كانت كفيلة لتؤكد أن حماة القانون لهذا القطب المتميز يكرسون مبدأ “أمن البلاد من جميع التهديدات السيبرانية”، رافعين شعار “القضاء واجب والتزام وتضحية واستمرارية”، من أجل “جزائر صامدة سيبرانيا”.
في الطابق الرابع من مبنى محكمة الدار البيضاء شرق الجزائر العاصمة، يوجد القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال، المستحدث بأمر من رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني عبد المجيد تبون، الذي شدد على ضرورة التحكم في مجال الأمن السيبراني من أجل “جزائر صامدة سيبرانيا”، من منطلق الحرص على حماية المصلحة الوطنية، وتغليب أمن وسيادة الدولة على الدوام، لا سيما أن الفضاء السيبراني، هو منطقة ليس لها حدود جغرافية.
عقارب الساعة كانت تشير إلى الساعة العاشرة تماما من صباح الثلاثاء 27 فيفري 2024، عندما وصلنا إلى محكمة الدار البيضاء، حركة كثيفة في بهو المحكمة، للمحامين والمتقاضين والمواطنين، قبل أن نصعد إلى الطابق الرابع حيث يتواجد القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال، المكان هادئ جدا إلى درجة أننا شككنا للوهلة الأولى أن الطابق برمته فارغ، لكن بعدها علمنا أن الكل “وكلاء الجمهورية، رئيس القطب وقضاة التحقيق وأمناء الضبط” منهمكون في عملهم داخل مكاتبهم المغلقة.
بعد الانتظار لمدة نصف ساعة تقريبا، تم استقبالنا من طرف وكيل الجمهورية الرئيسي للقطب، منيعي حسني السبتي، الذي اعتذر عن التأخر بسبب تزامن وجودنا هناك مع تقديم متهمين في قضية أمامه.
وقبل أن نشرع في العمل ومن خلال دردشتنا مع الوكيل منيعي تبين لنا أن هذا الأخير يتمتع بكفاءة عالية وملم بكل جوانب الجريمة الإلكترونية والتهديدات السيبرانية والعالم الرقمي بصفة عامة، ليتضح فيما بعد، عقب تطرقه إلى مسيرته المهنية، أنه تلقى تكوينا متخصصا في هذا المجال بالخارج، مما جعله مدركا لحيوية المهام المسندة إليه وحساسيتها.


وفي الموضوع، أكد ممثل الحق العام أن الجريمة السيبرانية جيل جديد من الجرائم يختلف عن الجرائم التقليدية، حتى إنها أصبحت في الوقت الراهن إحدى سمات الحروب الحديثة والتي تفرض تحديات لعموم الدول المتقدمة والنامية خصوصا، فكل الدول، وعلى رأسها الجزائر، تهتم بضمان أمنها الوطني بالدرجة الأولى، ولا يمكن لها أن تحقق ذلك دون حماية فضائها السيبراني، فالحروب والهجمات أصبحت تحدث بشكل إلكتروني وتستهدف البنية التحتية للدول، وتسبب أضرارا بالغة.
وأشار المتحدث إلى أن الجزائر على غرار باقي دول العالم تتعرض لعدة هجمات سيبرانية وبصفة مستمرة تتفاوت من حيث الأرقام والأهداف، موضحا أنها في مجملها تستهدف المؤسسات وخاصة السيادية منها، كما تستهدف الأفراد، خاصة في عصرنا هذا الذي تنتشر فيه تقنية الذكاء الاصطناعي، إذ يعدّ من بين أكبر التحديات في مجال الأمن السيبراني، ويوظفها المجرمون، حسب المتحدث، في إرسال الرسائل عبر تطبيقات مختلفة وكذا نشر الإعلانات التي تستقطب فئات محددة، يتم تصيدها عبر الفضاء الرقمي المفتوح على مصراعيه، دون أن ننسى منصات الدردشة التي يستغلها المجرمون لكسب ثقة مستعمليها، من أجل ضرب استقرار الوطن وكذا الحصول على الأموال وتعطيل المعاملات التجارية.
وعن القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال، قال الوكيل إنه تم استحداثه بموجب تعديل قانون الإجراءات الجزائية الأمر رقم 21 /11 المؤرخ في 21 أوت 2021، فيما تم التنصيب الفعلي لهذا الأخير في شهر سبتمبر من نفس السنة.
وفي التفاصيل، يشرح ممثل الجهاز القضائي أن “القطب نشأ على مستوى مجلس قضاء الجزائر، يختص في المتابعة والتحقيق في الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال والجرائم المرتبطة بها، كما يختص بالحكم في الجرائم المنصوص عليها في الجنح أما بالنسبة للجنايات فهي تحول إلى محكمة الجنايات كما أن هذا القطب له اختصاصات حصرية ومشتركة مع باقي الجهات القضائية عبر الوطن”.
وأوضح ممثل نيابة الجمهورية أن الاختصاصات الحصرية منصوص عليها في المادتين 211 مكرر 24 و211 مكرر 25، قائلا “المادة 211 مكرر 24 تنص على أن يختص القطب دون سواه حصريا بالمتابعة والتحقيق والحكم في الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال، ويتعلق الأمر بالجرائم التي تمس أمن الدولة أو الدفاع الوطني، جرائم نشر وترويج أخبار كاذبة بين الجمهور من شأنها المساس بالأمن أو السكينة العامة أو استقرار المجتمع وكذا جرائم نشر وترويج أنباء مغرضة تمس بالنظام والأمن العموميين ذات الطابع المنظم أو العابر للحدود الوطنية، جرائم المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات المتعلقة بالإدارات أو المؤسسات العمومية، إلى جانب جرائم الاتجار بالأشخاص أو بالأعضاء البشرية أو تهريب المهاجرين”.
أما بالنسبة للمادة 211 مكرر 25 يقول الوكيل منيعي “فهي تنص على أن القطب يختص في الجرائم المعقدة، أي بالتدقيق الجرائم الأكثر تعقيدا، ويقصد بها تعدد الشركاء أو الفاعلين أو المتضررين أو بسبب اتساع الرقعة الجغرافية لمكان ارتكاب الجريمة أو جسامة آثارها أو الأضرار المترتبة عليها أو لطابعها المنظم أو العابر للحدود الوطنية أو لمساسها بالنظام والأمن العموميين”.
وفي معرض حديثه، ركز منيعي على الجانب التوعوي قبل الردعي، قائلا “من خلال هذا المنبر، أدعو الجزائريين وكذا جميع المؤسسات والإدارات إلى توخي الحيطة والحذر من التهديدات السيبرانية المرتكبة لأغراض مختلفة، كالاختراق والتجسس وسرقة وتسريب البيانات والأخبار الزائفة، ناهيك عن الانتهاكات للبيانات الشخصية وقرصنة لقاعدة وبنوك البيانات والمعطيات لمؤسسات وطنية، وحدّث بلا حرج عن جماعات أشرار يمارسون النصب والاحتيال عن طريق التجارة الإلكترونية ويخترقون حسابات شخصية لمواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، بينهم نساء وقصر بهدف استدراجهم أو ابتزازهم، وحتى استغلالهم جنسيا أو تهديدهم بفضحهم أمام الملأ.
وبعد أن أنهينا الحديث مع وكيل الجمهورية الرئيسي للقطب منيعي حسني السبتي، عرجنا على غرف التحقيق لذات الجهة القاضية، أين وقفنا على طريقة عمل “صواعق القضاء” المختصين في محاربة الجريمة السيبرانية والمعلوماتية، حيث الكل في موقعه، والتعليمات تقول: “لا مجال للخطأ”، وهم منهمكون في التحقيق في الجرائم المطروحة أمامهم، وعلامات التعب والإرهاق بادية عليهم، كيف لا وهم أمام مجرمين “إلكترونيين” اخترقوا بيانات وقاعدة معطيات العديد من المؤسسات والهيئات، ولم تسلم منها حتى السيادية، وأوقعوا بالمئات من الضحايا الأبرياء.

من هنا مرّ المحتال بلحساني والإرهابي بن حليمة والدركي المنشق بن عبد الله


عندما خططوا مع سبق الإصرار والترصد للهروب ومغادرة الجزائر خلسة، ونجحوا في المرور عبر البحر الأبيض المتوسط نحو الضفة الأخرى من أوروبا وبلاد العم سام، كانوا يعتقدون أنهم في بر الأمن والأمان يمارسون جرائمهم وراء شاشات الكومبيوتر وينفثون سمومهم تحت غطاء ما يعرف بـ”اللجوء”، بل بعضهم أعلن حربا ضد قيادات الجيش والدرك والأمن، وآخرون تفننوا في خداع العديد من المسؤولين وانتحال صفات عسكرية وجنرالات ووزراء ومستشارين في الدولة الجزائرية، لجعلهم هدفا لهم في شراكات وعمليات نصب واسعة.
هم إذن المحتال الشهير بلحساني يعقوب والدركي السابق محمد عبد الله، والإرهابي الموقوف محمد عزوز بن حليمة، وأتباعهم المنضوين تحت لواء التنظيمات الإرهابية “الماك” و”رشاد”، لكن دوام الحال من المحال، فهؤلاء الذين أعلنوا حربا طاحنة ومكتملة المعالم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلف شاشات الكمبيوتر و”الأنردرويد”، كانوا وجها لوجه خفية مع حماة القانون الذين تأهبوا وأعدوا لهذه الحرب درعا حصينا عنوانه “الجزائر خط أحمر”.
كان حماة القانون وحراس القضاء على يقين بأن التحديات الراهنة تستدعي التسلح بالعلم والخبرة، وتطوير ميكانيزمات وآليات مجابهة الجريمة “الإلكترونية”، لكشف ما ينسج في الخفاء، وفعلا نجح هؤلاء المغاوير في توقيفهم واقتيادهم إلى الجزائر، وهم الآن أمام قضاة متخصصين مستعدين لبذل أرواحهم فداء للوطن، واقفين سورا منيعا في وجه العدى، لأجل حماية الوطن وأبنائه من كل مندسّ تحاول يداه الغادرتان العبث باستقرار الجزائر.
هؤلاء المجرمون يتواجدون حاليا قيد التحقيق أمام القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال، في قضايا جديدة، على شاكلة المحتال بلحساني يعقوب الذي صدرت في حقه عدة أوامر دولية بالقبض، ولا تزال شكاوى الضحايا إلى لحظة كتابة هذه السطر تتهاطل على نيابة الجمهورية لدى القطب السيبراني، كيف لا وهو من قام بخداع العديد من المسؤولين بانتحال صفات عسكرية وجنرالات ووزراء ومستشارين في الدولة الجزائرية، بل إن جرائم هذا الأخير تجاوزت المعقول عندما كان يقدم نفسه لوسائل الإعلام المحلية والعربية على أنه شخصية سياسية شهيرة، بنما كان في العادة يقدم نفسه بصفة محلل سياسي ومستشار رئاسي للأمن والشؤون الخارجية، وبطبيعة الحال كان يجني مقابل ذلك المال بكل العملات.

“القضاة السيبرانيون” بالمرصاد.. والمهمة ثقيلة
غادرنا قطب مكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال TIC””، بعد أن أدركنا بل تيقنا أنه بين الالتزامات السيادية والتحديات العالية، أظهر قضاة القطب السيبراني احترافية عالية في التعامل مع كل التحديات التي يمكن أن تهدد أمن البلاد والمواطنين.. فلا يستوي من يزرع ألغاما في طريق وطنه لهدمه مع من يرفع الوطن على عاتقه رصا لبنيانه.
فلا يسعنا في نهاية المهمة الصحفية الحصريّة، ولما وقفنا عليه، إلا أن نشيد بالجهود والتضحيات الجسام لـ”القضاة السيبرانيين”، إن صح التعبير، نظير سهرهم الدائم للدفاع عن أمن الجزائر في كل السياقات الجيوسياسية، بما في ذلك الفضاء السيبراني.
بفضل هؤلاء الرجال حماة القانون.. تصنع بلادنا من خلال المنظومة التشريعية والترسانة القانونية للحماية من التهديدات السيبرانية درعا واقيا للدولة ومؤسساتها، خاصة أمام تطور هذه الجريمة، لتأخذ شكل ما يعرف بـ”الحرب السيبرانية” أو “الحرب الإلكترونية”، والتي تعد أحد أخطر أشكال الحروب التي يمكن أن يتعرض لها العالم الحديث وترتبط مخاطرها ونتائجها بأمن الفرد والمجتمع والدولة على حد سواء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!