الرأي

“ضخم الجثة” و”الغابرين”

يقدّم المشهد السياسي في الجزائر، نموذجا مذهلا في تاريخ البشرية، تتجلى فيه عبقرية السلطة، إلى درجة أنها تمكنت من صنع معارضة هي أكثر تمسّكا بالنظام الموجود من النظام نفسه، أما عن الداعمين للسلطة فإنهم يقدِّمون أداء فريدا، بالرغم من أن أصغرهم سنا يبلغ الثمانين.

حكاية تدعيم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لعهدة رئاسية خامسة، جعلت بعض الذين لم يقدّموا في حياتهم شيئا، غير المساندة والدعم الشكلي، ينفخون مزيدا من “السِّمنة” في أجسامهم، ليظهروا في صورة مستبقي الأحداث فأنشؤوا تنسيقية لدعم الرئيس، وأتخموها بالأسماء من دون علم أصحابها، ظنا منهم أنه لا أحد سيتبرَّأ من وجود اسمه في هذه القائمة الاسمية، وجعل الطاعنون في السن أيضا من المنتمين إلى الحزب الطاعن في السن، يستبقون الأحداث، ويفكرون في مستقبلهم أي ما بعد رئاسيات ربيع السنة القادمة، استشرافا لأحداث قد يعيشونها وقد قاربت سنهم التسعين، إن كان في العُمر بقية.

الشاب بهاء الدين طليبة، الذي لم يزد عمرُه عن الثامنة والثلاثين، أراد أن يضرب سربا من العصافير بحجر واحد، فاجتمع مع نفسه وهو في باريس، وأنشأ تنسيقية داعمة لترشُّح الرئيس لعهدة خامسة، وراح يخطّ أسماء لكبار في السن، ظنّا منه أنهم خرفوا أو ربما هكذا رآهم، ومرّ على المسودّة بضعة أيام، بين مبتهج من ذكر اسمه دون علمه، وصامت، إلى أن نطق الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، السيد جمال ولد عباس، (سيبلغ 84 سنة في 24 فيفري الحالي)، فتبرأ من المسوّدة ولحقها المتبرِّئون، وكلهم من الطاعنين في السن، من أمثال محمد العربي ولد خليفة (80 سنة) والسعيد بوحجة (82 سنة)، ردّ فعل لا نظن أن لبهاء الدين فرصة أحسن منه، لأجل التقليل من وزنه سهرا وحسرة، وبالتأكيد ندما، على مبادرة، أراد منها مزيدا من الضخامة والشحم، فردّته إلى حجم قد لا نعرفه شكلا، عندما ينشّط ندوة صحفية بعد عودته من فرنسا كما وعد، إذا نشطها فعلا، بل إذا عاد فعلا من هناك.

وردّ فعل من “كبار” جبهة التحرير، أرادوه شبابا جديدا وربما مراهقة جديدة، في حال ظهور وجوه جديدة في الانتخابات الرئاسية القادمة، أو حتى في حال بقاء نفس الوجوه، لنتأكد من أن المعركة التي اندلعت بين سمين القوم والغابرين، ما كانت سوى تموقع في غير موقع، ومقال في غير مقام، في مشهد سياسي لا نظن أنه يوجد أكثر بؤسا منه.

عندما يصبح ما قام به الشاب بهاء الدين، حدثا سياسيا كبيرا، تتهاطل لأجله بحار من المِداد ومن اللعاب، وعندما يصبح ردّ فعل من قاربت سنهم التسعين “شتاء”، حدثا سياسيا أكبر، تعصف لأجله الزوابع والزمهرير، فإننا نكون قد أضعنا البوصلة السياسية وتهنا في بحر متلاطم، لا نظنُّ أننا سنخرج منه سالمين، خاصة أن أبراج المراقبة فقدت الاتصال بالسفينة، وربما زعمت ذلك فقط.

مقالات ذات صلة