-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نيشان

ضريبة‮ ‬الحرية

محمد عباس
  • 2562
  • 2
ضريبة‮ ‬الحرية

ملتقى الأسرى الفلسطينيين الذي انعقد أخيرا (*) بالجزائر، إن كان فرصة ثمينة لتجديد وتأكيد تضامننا مع محنة الشعب الفلسطيني في هذه الفئة المعذبة من أبنائه، فإنه مناسبة كذلك للتذكير بأن أبناء من الشعب الجزائري قد عاشوا نفس المحنة وربما أشد، طوال فترة الاحتلال الفرنسي‮ ‬الذي‮ ‬استغرق‮ ‬132‮ ‬سنة‮.. ‬ولعل‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬التذكير‮ ‬شيئا‮ ‬من‮ ‬العزاء‮ ‬والسلوان‮ ‬والتشجيع‮ ‬على‮ ‬الصبر،‮ ‬لأشقائنا‮ ‬الأسرى‮ ‬في‮ ‬فلسطين‮ ‬وفي‮ ‬العراق‮ ‬أيضا‮.‬

  • طبعا لن نعود إلى جرائم “بليسيي” و”كافينياك” و”سانت أرنو” لذا سنكتفي بعينات قليلة من مرحلة الثورة التحريرية المباركة التي اتخذها نظام الاحتلال الاستيطاني ذريعة، لشن حرب شاملة على شباب الشعب الجزائري خاصة، تحت غطاء عمليات حفظ الأمن، ليتنصل بذلك مسبقا من جرائم‮ ‬حرب‮ ‬وجرائم‮ ‬ضد‮ ‬الإنسانية‮ ‬لا‮ ‬تعد‮ ‬ولا‮ ‬تحصى‮.‬
  • بمجرد‮ ‬اندلاع‮ ‬الثورة‮ ‬وجهت‮ ‬إدارة‮ ‬الاحتلال‮ ‬تعليمة‮ ‬لقواتها‮ ‬العسكرية،‮ ‬بالإعدام‮ ‬فورا‮ ‬لكل‮ ‬ثائر‮ ‬يقع‮ ‬في‮ ‬قبضتها‮ ‬والسلاح‮ ‬في‮ ‬يده‮ ‬سالما‮ ‬كان‮ ‬أم‮ ‬جريحا‮.‬
  • وكانت العدالة الاستعمارية أكثر حرصا أحيانا من العسكر على تطبيق هذا الأمر. يشهد بذلك الجنرال “فور” سنة 1955، عندما بدا له أنه يقدم بعض أسرى جيش التحرير الوطني بالمنطقة الثالثة إلى محكمة تيزي وزو. لقد رد عليه النائب العام بنوع من التأنيب: “ماذا تريدني أن أفعل‮ ‬بأسراكم؟‮! ‬اقتلوهم‮ ‬وخلصونا‮ ‬منهم‮!”.‬
  • وكان الجنرال ماسو قائد الفرقة العاشرة للمظليين يرد على انتقادات الصحافة الفرنسية وبعض الساسة، لتجاوزات جنوده وضرب عرض الحائط بأعراف الحرب وقوانينها قائلا باستهتار سافر: “اعلنوا الحرب أولا! ثم طالبونا باحترام قوانينها!” – من أسرى جيش التحرير الوطني الذين ذاقوا ويلات السجن في جناح المحكوم عليهم بالإعدام الفقيد الحاج بن علا، نائب الشهيد العربي بن مهيدي بالمنطقة الخامسة (وهران).. فقد كان أحد المسؤولين بسجن وهران يمعن في تعذيبه حقدا عليه، إذ كان بين الفينة والأخرى يقف أمام زنزانته ليردد عبارات مثل “سقوط رأس بن علا سيكون أجمل هديتي هذه السنة”! أو “خلاص! هذا يعدم فجر غد”!  عندما سمع المحكوم عليه بالإعدام العبارة الأخيرة ظن أن دوره قد حان، فاستيقظ باكرا وطفق يصلي، وفي تلك اللحظات الرهيبة، لحظات انتظار الإعدام، وبعد أن تشجع بالصلاة، سمع وقع أقدام تقترب من زنزانته، لتتوقف‮ ‬عند‮ ‬زنزانة‮ ‬مقابلة‮ ‬كان‮ ‬بها‮ ‬الشهيد‮ ‬أطواهري‮ (‬من‮ ‬تيارت‮).‬
  • – وعذب الطالب محمد سحنون إثر أسره في ربيع 1957 بضواحي الأغواط، حتى أصيبت أذنه اليسرى بالصمم.. كان ذلك على يد جلادي مظليي اللفيف الأجنبي، بدار “سوزيني” (العاصمة) منكودة السمعة.. وقد تكالب عليه الجلادون باللكمات القوية والتعذيب بالماء والكهرباء.. لظنهم -خطأ-‮ ‬بأنه‮ ‬كان‮ ‬على‭ ‬صلة‮ ‬مباشرة‮ ‬بأعضاء‮ ‬لجنة‮ ‬التنسيق‮ ‬والتنفيذ،‮ ‬وبعد‮ ‬أن‮ ‬ذاق‮ ‬ألوانا‮ ‬من‮ ‬التعذيب،‮ ‬نقل‮ ‬إلى‮ ‬سجن‮ ‬سركاجي‮ -‬بعد‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬شهرين‮- ‬تحت‮ ‬هاجس‮ ‬الإعدام‮ ‬المقنع‮ ‬بمحاولة‮ ‬الهروب‮!‬
  • – وأسر أحمد بالعبَنِّي مسؤول ناحية بالولاية الثانية (شمال قسنطينة) في عمليات “الحجارة الكريمة” أواخر 1959، بعد إصابته بجروح متفاوتة الخطورة، وبدل الإسراع بإسعافه وعلاجه، تعرض للتعذيب “على الساخن”، قبل أن يركن وهو ينزف في خيمة بمحتشد في ضواحي جيجل كي يموت جوعا، تحت حراسة كلب مدرب من سلالة ألمانية. وما لبث أن أصبح في حالة رثي لها الكلب الحارس ذاته! فراح يلحس جراحه المتقيحة، ويطعمه خلسة من فضلات المظليين.. وبعد فترة انتعش المدنف واستعاد أنفاسه! وأكثر من ذلك تمكن من الفرار واللحاق بجيش التحرير مجددا رفقة اثنين من‮ ‬الحركى‮.. ‬وتحت‮ ‬النظرات‮ ‬المتواطئة‮ ‬المودعة‮ ‬للكلب‮ ‬الألماني‮ ‬طبعا‮! ‬
  • يتهم الفرنسيون الاحتلال النازي أنه ارتكب أثناء الحرب العالمية الثانية مجزرة في حق سكان قرية “أورادور سيرڤلان”.. والحال أنهم كانوا أثناء حربهم الشاملة على الشعب الجزائري يرتكبون -باعترافهم- “أورادور” في كل يوم.
  • فالأسر والسجن والعذاب والإعدام.. قدر المقاومين عبر العصور والأمصار.. تلكم هي ضريبة الدفاع عن القضايا العادلة، والكفاح في سبيل استعادة الأرض المغتصبة والسيادة المدنسة.. بالأمس في مصر وسوريا وليبيا والجزائر، واليوم في فلسطين والعراق وأفغانستان.. للتذكير أن الحاج‮ ‬بن‮ ‬علا‮ ‬أصبح‮ ‬الشخصية‮ ‬الثانية‮ ‬في‮ ‬جزائر‮ ‬بن‮ ‬بلة،‮ ‬وأحمد‮ ‬بالعبني‮ ‬نائبا‮ ‬في‮ ‬جزائر‮ ‬بومدين،‮ ‬وأصبح‮ ‬محمد‮ ‬سحنون‮ ‬دبلوماسيا‮ ‬لامعا،‮ ‬وشخصية‮ ‬أممية‮ ‬من‮ ‬الطراز‮ ‬الأول‮.‬
  •  
  • ‮)‬‭*‬‮(‬يومي‮ ‬5‮ ‬و6‮ ‬ديسمبر‮ ‬الجاري‮ ‬بقصر‮ ‬الأمم‮.‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • المجد والخلود لشهدائنا الابرار والنصر لفلسطين والعراق و

    المجد والخلود لشهدائنا الابرار والنصر لفلسطين والعراق و

  • سعاد

    المجد والخلود لشهدائنا الابرار والنصر لفلسطين والعراق و