-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

طعنات في ظهر منظومتنا التربوية (2)

سلطان بركاني
  • 880
  • 0
طعنات في ظهر منظومتنا التربوية (2)

المظاهر غير الأخلاقية في المؤسّسات التربوية في تزايد مستمرّ، والقادم -لا سمح الله- خطير ومرعب إن لم تتحرّك الجهات الرسمية ويتحرّك الأولياء.. وتيرة حوادث الإجرام ستتصاعد مع استواء الجيل الجديد الذي تربّى على إصلاحات بن غبريط، وأصبح عارفا ومهتما بحقوقه التي كفلتها له قوانين تكبّل يد الأستاذ وتطلق يد التلميذ، وتحمّل الأستاذ مسؤولية كلّ خلل يحصل داخل حجرة الدّراسة مهما كان التلميذ هو المتسبب فيه!

الطّعنة التي تلقّتها الأستاذة الفاضلة “ريحانة بن شية” بإحدى متوسّطات ولاية باتنة، هي إحدى نتائج الطعنة التي تلقّتها منظومتنا التربوية في ظهرها منذ 20 سنة.. منظومتنا التربوية في غرفة الإنعاش، وإن لم يسارع المخلصون والمصلحون ويرفعوا أصواتهم فإنّ منظومتنا ستحتضر.. آن الأوان لأن نوجّه أصابع الاتّهام إلى ما تعرّضت له المنظومة التربوية من سلخ مقصود وممنهج في العهد البائد، سمي -كذبا وزورا- إصلاحات.. وأيّ إصلاح في أن تُهمل الأخلاق، وتوفّر الأجواء لتتحوّل المؤسّسات التعليمية إلى ساحات لعرض الأزياء والعضلات! أيّ إصلاح في تقليص الحجم السّاعي لمادّة التربية الإسلامية وإلغائها من الامتحانات الرسمية في كثير من الشعب؟ ماذا فعلت التربية الإسلامية حتى تعامل كمادّة لا أهمية لها؟ أين سيتعلّم أبناؤنا الأخلاق الفاضلة؟ أين سيتعلّمون الرّجولة والحياء والاحترام؟ المدارس القرآنية تعاني قلة الإمكانات وقلّة الوافدين إليها، فلماذا لا تعزّز التربية الإسلامية في مدارسنا وتصبح مادّة أساسية؟ اليابان، هذه الدولة البعيدة عن الدّين، أصدرت بداية العام 2018م وثيقة توجيهات تجعل تعلم العادات الحميدة مادة أساسية في المدارس.. الصين الدولة الشيوعية، أصبحت تهتمّ بتعزيز الأخلاق وقيم الرّجولة في مدارسها.. دولة الاحتلال الصهيونيّ تهتمّ بتدريس الدّين في مدارسها بنسبة تزيد على 14 % مقارنة بدول أخرى.. فلماذا سارت إصلاحات العهد البائد عندنا في الاتّجاه المعاكس؟ ما حصل في سنوات بن زاغو وبن غبريط يجب أن تعلن حالة الاستنفار لتصحيحه.

القوانين التي فُعّلت في العهد البائد وأشيعت، لا بدّ من أن يعاد فيها النّظر.. قديما كان الأستاذ محميا بالقانون الذي ينصّ على أن “الدولة تحمي المربي وتحل محله إذا قام أولياء التلاميذ بتحريك دعوى قضائية ضده”، ولكنّ القوانين الجديدة تحمّل المربي مسؤولية ما يحدث للتلاميذ على مستوى المؤسسات التعليمية وتجعله مذنباً في أغلب الأحوال، حتى في حال وقوع شجار بين التلاميذ! وأصبح التلاميذ وأولياؤهم يتكئون على هذه القوانين ليرهبوا الأستاذ ويخوّفوه.. وكم من أستاذ مربّ تلقى التوبيخ تلو التوبيخ من أولياء التلاميذ! لأنّه نصح هذا بالتخلي عن قصّة الشعر المزرية، ونصح ذاك بلباس يليق بطالب العلم، ونصح تلميذة أخرى كما ينصح ابنته بلِبس المحتشم.. بل كم من أستاذ ضُرب وأهين! وكم من أستاذ جُرجر إلى المحاكم لأنّه أراد أن يسدّ الثغرة التي تخلّى عنها الأولياء وأراد يؤدّب تلاميذه كما يؤدّب أبناءه.. أصبح بعض الآباء لا يستحي الواحد منهم من أن يواجه المعلّم قائلا: “لا دخل لك في أخلاق ولدي، مهمّتك تنتهي عند تدريس المقرّر”! وأضحت كثير من الأمّهات لا تستحي الواحدة منهنّ من أن تواجه الأستاذة التي تدرّس ابنتها بقولها: “لا شأن لك بلباس ابنتي ولا بأخلاقها. اتركيها تلبس ما يحلو لها وتضع الزينة متى أرادت وتفتح هاتفها متى بدا لها ذلك”!

إنّه حصاد قوانين وإصلاحات العهد القديم التي جعلت الأستاذ يخاف من أن يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر، بل يخاف من تقديم نصيحة حانية لتلميذ من تلاميذه أو تلميذة من تلميذاته!

أمسينا نترحم على زمان مضى كان المعلم يستمد فيه هيبته من العائلة التي توصي أبناءها باحترام المعلّم وتوقيره وتحذّرهم من مخالفته والجرأة عليه وإساءة الأدب معه، وكان الوالدان يستمدّان هيبتهما من المعلّم الذي لا يملّ من حثّ تلاميذه على برّ والديهم.. كان الأب يطلب مقابلة المعلّم ليشكره ويوصيه بتغليظ العقوبة لابنه كلّما أخطأ، وكان المعلّم يستدعي الأب ليدلّه على نقائص ابنه وأخطائه، فيستمع الأب للمعلّم ورأسه منكّس إلى الأرض، ثمّ يعود إلى البيت بعد ذلك ليقوّم ابنه بما يقتضيه المقام.

الوالدان في كثير من البيوت أصبحا منشغلين باللهث خلف الدنيا، ولا وقت لديهما لتربية أبنائهما.. وهذه -والله- رزية تؤْذن بخراب كبير نتّجه إليه.. فكفانا لهثا خلف الدنيا.. أبناؤنا هم مشروع حياتنا، وهم -بعد فضل الله وأعمالنا الصالحة- عدّتنا لما بعد الممات.. ليس يليق أبدا أن يهتمّ الواحد منّا بكلّ خلل يطرأ على سيارته أو هاتفه مثلا، ثمّ هو لا يلتفت إلى ما يطرأ على أبنائه من أخلاق وتصرّفات تزداد سوءًا يوما بعد يوم، ليتحوّلوا إلى مجرمين يحملون السكاكين والمخدّرات في محافظهم، وإلى عبّاد شهوات لا همّ لهم إلا إشباع نزواتهم!

حالة استنفار عاجلة يجب أن تعلن في بيوتنا للنّظر في حال أبنائنا التلاميذ؛ ننظر إلى ألبستهم وننصحهم وننكر عليهم ما لا يليق بهم كمسلمين وأبناء مسلمين وطلبة علم.. ننظر في محافظهم وفي هواتفهم، ونوصيهم باحترام معلّميهم وأساتذتهم، ونتوعّدهم بالعقاب إن هم أحرجوا مربّيهم.. مهما كان من نقص لدى بعض الأساتذة والمعلّمين، فإنّه لا يصحّ أن يقابل بتحريض أبنائنا ضدّ معلّميهم.. ثقافة “روح تقرا ولو كان يهدر معاك الشيخ أرواح نتفاهم معاه”، لن تخرّج لنا إلا المجرمين.. وثقافة “قرّيني وانا سيدك” لن تذهب بنا بعيدا، بل ستهوي بنا في درك سحيق من الانحراف والضّياع.

وأنتم أحبابنا المعلّمين والأساتذة.. اثبتوا ولا تستسلموا أمام طوفان الفساد.. انصحوا وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر بالمعروف.. مهما تردّدت عبارة “ما كان ما دخلك” في آذانكم فلا تنسوا قول الله تعالى: ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ))، وقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: “والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله يبعث عليكم عذابا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم”، وقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: “لتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوف، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَر، أَوْ لَيُسَلِّطَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ، ثُمَّ يَدْعُو خِيَارَكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!