الرأي

طلاسم.. ولا بلحمر لها!

محمد يعقوبي
  • 6778
  • 7

ثمة خيط رفيع بين تحريك ملفات الفساد بغرض مكافحة الفساد فعلا، أو تحريكها بغرض “التخلاط” وتصفية الحسابات ولي الأذرع والضحك على الجزائريين في الشمال والجنوب، خاصة في دولة نظامها قوي وهياكل دولتها هشة وضعيفة وأبسط أزمة تضرب البلاد حتى ولو كانت كارثة طبيعية لا عدو فيها تسبب حالة من الانهيار والضياع والفوضى..

الدليل على ذلك بسيط هو ما حصل في مجلس قضاء العاصمة، والأمر لا يتعلق بحادثة سرقة ملفات خطيرة فحسب، بل يتعلق بطريقة تعاطي الدولة بهياكلها مع هكذا حادث خطير، فإلى الآن ترفض المصالح القضائية والأمنية أن تؤكد أو تنفي الخبر لأنها عاجزة عن تحمل تبعات التأكيد وتحمل تبعات النفي أيضا، بينما يتطلب حدث مثل هذا في بلد غير الجزائر أن يعالج بشفافية واستقالات أو إقالات وليس بالقفز على الحقيقة ومحاولة تجاهل ما يحدث على طريقة “لا أرى ولا أسمع ولا أتكلم”.

في دبي قتل قيادي حماس “المبحوح” وفي بضع ساعات كشفت كاميرات الفندق هوية القتلة وجنسياتهم والطريقة التي خادعوا بها مصالح الأمن، وعندما شاءت الصدفة المضحكة أن تتعطل كاميرات مجلس القضاء عندما كان لصوص الليل وخفافيش الظلام يهمون باقتحام مكاتب المجلس.

نكاد نجزم أن عود السلطة القائمة لن يستقيم إلا بعملية جراحية دقيقة، قد يكون الشارع أحد جرّاحيها، لأن هذه السلطة ترفض الاستفادة من الدروس المحيطة بها، لا الدرس الليبي جعل سلطتها ترشد سلوكها وتصحح علاقتها بالشعب، ولا الدرس المالي جعلها قادرة على الدفاع عن السيادة الوطنية دون المساس بأية مقدسات، ولا الدرس السوري جعلنا نستوعب احتياجات ومطالب وحقوق الشعب، ولا حتى درس العشرية الحمراء جعلنا نكون أكثر الشعوب استفادة من محنها وفتنها وشقاق أبنائها..

وهنا لا أتحدث عن هذا الشعب المغبون لأن في صمته حكمة لا يعلمها إلا الله وحاله في ظني حال البركان الذي لا ترى سوى حممه وشظاياه عندماي ضغب.. أنا أتحدث عن نظام سياسي من الواضح أنه يتعمد ردم فضلاته في المكان الذي يأكل فيه!! نظام يتاح له من الفرص أكثر مما يستحق ويهدر على الشعب فرص التغيير الهادىء السلمي.

بماذا نفسر أن “يمسح الموس” في فضيحة مجلس قضاء العاصمة في شاب تدعي التحقياقت أن مصالح الأمن نسيته داخل المجلس نائما في إحدى القاعات وهو من استيقظ ليلا وطاف على تلك المكاتب التي تحتوي الملفات المسروقة!! وهي دعوة لزوار قاعات المحاكم أن يناموا فيها إذا أرادوا إتلاف ملفات تدين ذويهم! في بلد لم يعد قادرا حتى على حراسة محاكمه.

الإرباك الحاصل في معالجة أخطاء السلطة يجعلنا نرتجي الحلول خارجها ولا نثق في المفرقعات اليومية المتعلقة بشعار مكافحة الفساد لأن من يعيد قراءة أسماء المتهمين في  فضيحة الخليفة والذين سيحاكمون مجددا ابتداء من اليوم، يدرك جيدا لماذا باع شكيب خلال أملاكه بتلك السرعة وطار إلى غير رجعة، مثلما فعلها قبله عبد المومن خليفة، بينما يدفع الثمن صغار السراقين الذين إذا باعوا ما وراءهم وما أمامهم لن يفيدوا خزينة الدولة في شيء.. طلاسم الفساد في الجزائر والطريقة التي تحرك بها الملفات وحادثة مجلس العاصمة، تجعلنا نقف قبل أن نصدق مثل هكذا مسرحيات أظن أنه حتى الشيخ بلحمر يعجز عن فهمها!!

مقالات ذات صلة