الرأي

عائد إلى “حيفا”!

قادة بن عمار
  • 6730
  • 6

هل من الصدفة حقا أن تتزامن الذكرى الثانية والأربعون لرحيل المبدع الفلسطيني الكبير غسّان كنفاني مع تجدّد هذا العدوان الصهيوني الغاشم ضدّ قطاع غزة !؟

المقاومة فعل مضارع لا يسقط بالتقادم..وغسان كنفاني “الغائب” عن دنيانا منذ سنوات.. لم يمنعه هذا الغياب (أو التغييب) عن كتابتنا بصدق..وبصراحة…. إنه يكتب غزّة والمقاومة والجرح النازف..يكتب عن “الرجال والبنادق”.. ويكتب عن حلم العودة الذي نعيشه في كل مرة نقرأ فيها روايته..”عائد إلى حيفا” وكأننا نكتشفها من جديد !!

أبشِر يا غسان.. فـ”حيفا” هذه المرة زارتها صواريخ المقاومة،..أبشر يا غسان، فقد دوّت كلماتك في سمائها للمرة الأولى منذ بداية المعركة..مرة أخرى لا يجد العدو الصهيوني تفسيرا مقنعا لهذا الاستعداد الكبير للموت..!

المرأة في غزة..مثل الوطن..تُنجب ثم تهدي من أنجبت لهذا التراب، دون ملل..وبدون مقابل، وبحثا عن مزيد من الفرح..هذا ما يفرّقكم يا أهل غزة وفلسطين الصامدة عن عدوّكم.. تستشهدون يوميا لكن تنتصرون..وهم باقون في الدنيا حتى ينهزموا..أنتم الأحياء الكرام.. وهم الأموات الأنذال!

في رواية “عائد إلى حيفا”..يفكّر الزوجان بالعودة لمنزلهما بعد التهجير القسري..فيجدان المنزل قد تم السطو عليه..والحلم تمّ إجهاضه..الذكريات تمّ وأدها واغتيالها..والوطن تم سلبه..الكرامة تمّ دفنها..بل امتد السطو إلى”المستقبل” من خلال تبني مولود جديد..هنا كان لابد على الوالد أن يثور..وكان لابد على غسان كنفاني أن يقول..إلا المستقبل..عودتنا مرهونة بحمايته..إنه السبيل الوحيد للعودة إلى الماضي!

في غزة.. لا يتقنون سوى مهمّة الموت في سبيل الله والوطن والقضية..أما نحن في”بقية” العالم العربي، فلا نتقن سوى وظيفة اللامبالاة..والدعاء..ثم النسيان!

حين ترتفع أصوات شاذة هنا وهناك..في مصر والأردن وبعض بلدان الخليج لتتساءل: ما سرّ تمسّك الفلسطينيين بالموت؟ ما لهم لا يملّون من الشهادة؟ ما بهم لا يستقيلون عن البطولة؟!

ردّ المقاومون سريعا..فأطلقوا على عمليتهم الجديدة اسم “العاشر من رمضان” في إشارة لتلاحم الماضي القريب مع الحاضر المفخّخ بكثير من الأحزان والدماء.. والمؤامرات!

الشهداء وحدهم من يعرفون بعضهم البعض، من يستحقون إهداء الانتصارات لبعضهم البعض..الشهداء وحدهم من يستحقون الاحترام في هذا العالم العربي الغارق في حرب الطوائف..

يسألون عن الخليفة الجديد؟ أين هو؟ وأين “داعشه” و”جيشه” و”أمراؤه”..؟ لكنهم يتناسون ملوك الطوائف الآخرين؟ ماذا فعل أصحاب الفخامة والجلالة والسمو”مع” فلسطين؟ الأصح: ماذا فعلوا بـ”فلسطين”؟

رحم الله غسان كنفاني..كان صادقا حين كتب:..الفكرة النبيلة لا تحتاج غالبا إلى الفهم..بل تحتاج إلى الاحساس!!

مقالات ذات صلة