-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عبثية ما بعد البعثية

عمار يزلي
  • 1031
  • 0
عبثية ما بعد البعثية
ح.م
عادل عبد المهدي

هل صار العراق ديمقراطيا جدا، إلى درجة أن صار الترشح لمنصب وزير يتم عبر منصة على الإنترنت؟ أم إن ما يحدث في العراق ما هو إلا عنوان فوضى لم يعد يعرف فيها مواطن القوة والضعف في ضعف وقوة المواطن؟ المواطن والمواطنة التي غيبتها الفوضى “الخناقة” التي لا تزال مفوضة في عمليان الخنق والاختناق والذبح على طريقة سفارة المملكة العربية السعودية في إسطنبول؟ إنها جزءٌ من عبثيةِ ما بعد البعثية.

الصراع والتناحر بين العراقيين على كل شيء، بدءاً من الهوية والانتماء المذهبي.. والسياسي والطيف الاجتماعي، والميل الإيديولوجي، والمنحنى الأخلاقي، وانتهاء بالتخندق المصلحي، و”التحلُّف” العقائدي، والتحالف والتقاطع، والتناطح والتعاقد والتقاعد.. والتمترُس والتغطرس والتبجح والتربح والتكتل والتبتل والتكرد والتقرد والتشيع والشنع والتسنن والتفنن.. كلها عناوين لفوضى خلقتها أمريكا وتخلقها في المنطقة العربية برمتها. فهل يعقل أن نصدق أن العراق وصل إلى قمة الديمقراطية الشعبية حتى صار الترشح لحقيبة وزارية يتم عن طريق منصة إلكترونية في شكل بوابة تفتح كل الأبواب؟ إنه التيه في زمن الوصل.. بالموصل.

هل هذا الإجراء عنوانٌ لانفتاح على المواطنة وعلى الكفاءات؟ أم هو فقط إجراءٌ إداري استخباراتي معلوماتي، إشهار، قصد إحداث بنك معلومات، لا يفيد شيئا إلا كما تفيده الانتخابات الصورية عندنا: المواطن يذهب للانتخاب، ولكن نتائج الانتخابات لا تكون بالضرورة حسب رغبة المنتخبين، بل حسب رغبة المشرفين على الانتخابات. هكذا، تبدو الديمقراطية عندنا في العالم العربي.

أتذكر نكتة كانت تسري في العراق أيام الراحل صدام حسين الذي كان ينظم انتخابات بهذا الشكل. انتخابات من فئة 99.99 بالمائة .. “نعم”، حيث تجرَّأ أحد “المعارضين” وقتها وتقدَّم بورقة تقول “لا” للرئيس. رماها في الصندوق وخرج. لكن صديقه نبَّهه بعد خروجه من المخدع.. بأن ورقتي “نعم” و”لا” التي تُسلم للمنتخِبين من المواطنين، كانت شخصية، أي إن كل ورقة كانت تحمل في الخلف اسم المواطن المنتخِب وهويته. فما كان على الصديق إلا أن نبه صديقه “المتهور” الذي تجرأ أن انتخب بـ”لا” أن الورقة إياها، تحمل اسمه وهويته وعنوانه، فما كان عليه سوى أن أسرع عائدا إلى مركز الانتخاب، ليتوسَّل إليهم أن يتركوه يعيد الانتخاب لكونه أخطأ في الورقة الصحيحة. عاد الرجل إلى المركز وأعرب لهم عن أسفه الشديد على الإزعاج وأنه لاحظ بعد خروجه أنه وضع الورقة الخطأ في الموضع الصحيح، أي.. في الصندوق، وأنه يتمنى لو يستعيد ورقته ليصحح الخطأ. فقيل له في المكتب: لا مشكلة لا تكترث.. لقد قمنا بالواجب نيابة عنك. لقد قمنا بتصحيح الخطإ من عندنا..

هذه النكتة توضِّح إلى أي مدى كان التزوير سيد الموقف وإلى الآن.. حتى من خلال التظاهر ببوابة إلكترونية لترشيح المواطنين لمناصب وزارية.

عندنا في الجزائر، لو قمنا بما فعله رئيس الحكومة العراقية المعين مؤخرا، لكان الاستكتاب أكثر من استكتاب “عدل”، بل لوجدنا معظم المترشحين من الشومارا والعاطلين والزاطلين.. والحراقة والمطرودين من العمل والعساسة وبعض المعلمين وكثيرا من الأميين والشباب العازف عن العمل اليدوي والفلاحي.. وعدد لا يستهان به من الحلاقات والغسالات والأمهات العازبات… ووو..

أما المثقفون والفاهمون، فسيضحكون من البوابة على هذه النافذة.. لأنهم يعرفون أن أصحاب النفوذ.. ومالكي النقود، وأصحاب السجود، وأهل المعرفة والأكتاف، هم المؤهُّلون المرشحون للمناصب دون يناصب.. وأن البوابة والمصطبة الإلكترونية ما هي إلا واجهة أفلاطونية.. ماراطونية.. إعلانية إشهارية.. عراقية اللون، شامية المذاق..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!