-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أقواس

عبد القادر السيكتور وهنري برغسون

أمين الزاوي
  • 12352
  • 18
عبد القادر السيكتور وهنري برغسون

ماذا كان سيقول الفيلسوف هنري برغسون صاحب أكبر وأهم كتاب في فلسفة الضحك، وأعني به كتاب “الضحك” (Le Rire)، ماذا كان سيقول لو أنه قابل اليوم هذا الغزواتي الساحلي الشعبي البسيط: عبد القادر السيكتور؟

  • كم من نظريات معقدة في الضحك وعن الضحك كان سيعرضها عليه؟ وماذا كان سيكون تصرف عبد القادر السيكتور حيال هذا الفيلسوف، حيال هنري برغسون صاحب كتاب “الضحك” الفريد والشهير؟ أكان سيرد عليه بنكتة من نكته التي يحول فيها اللهجة السواحلية الغزواتية المسيردية إلى لكنة ألمانية، تلك اللهجة التي تثير الصغار والكبار، المتعلمين وغير المتعلمين؟
  • عرفت عبد القادر السيكتور بصدفة، ربما،  كما عرفه و رافقه آلاف البسطاء في أول انطلاقته، عرفته ذات ليلة عن طريق أبناء وبنات إخوتي. كنت في زيارة لوهران، وكعادة عائلتنا الكبيرة لا نفوت هذه السويعات الخاطفة إلا ونجتمع حول سهرة عشاء تمتد حتى الصباح أو غذاء يمتد إلى قهوة العصر، نتداول فيها أخبار وأحوال الأحياء من العائلة القريبة والبعيدة ونستذكر الأموات، وكان في تلك الجلسة، كان ذلك قبل سنتين تقريبا، الحديث متمحورا حول اسم جديد، ظاهرة جديدة اسمها “عبد القادر السيكتور”. كان الصغار أكثر حماسا لهذا الاسم الجديد، أذكر ضحكات ياسين وسناء، وأذكر خاصة جنون سامي ابن أخي مصطفى الذي كان طوال السهرة لا يتوقف عن استظهار مقاطع كاملة من عروض هذا الـ “عبد القادر السيكتور”، كان يضحك ويضحك ويضحك ويعيد المرة بعد المرة تمثيل بعض المقاطع مما حفظه عن ظهر قلب من نصوص عبد القادر السيكتور، دون أن يتوقف عن الضحك. ما أجمل الجزائري حين يضحك. كانوا جميعهم لا يحلو لهم الحديث إلا عن السيكتور، ولا يتوقفون عن ترديد بعض فصول من نكته الساخرة القوية، في البدء لم يكن ما يقوله كثيرا مثيرا بالنسبة لي، ولكن شيئا فشيئا بدأت أكتشف عمق ما يحمله هذا القادم إلى عالم الفرجة.
  • صدق الصغار.
  • وأنا أسمع أو أشاهد بعض تسجيلات (مقرصنة دون شك؟؟؟) للفنان المبدع عبد القادر السيكتور، تساءلت وقد أدهشني ذكاؤه الجمالي وحدسه السياسي وحاسته النقدية الاجتماعية، تساءلت أليس العظماء هم أولئك الذين يولدون دائما من رحم الهامش البئيس ويتحولون بفضل إبداعهم واجتهادهم وصدقهم إلى مركز من مراكز العالم في الإبداع والثقافة. قلت في نفسي ها هو عبد القادر السيكتور الفنان الساخر يكبر نجمه شيئا فشيئا، يكبر ويكبر، ولكنه دون شك، سيجيء اليوم الذي يشعر فيه بالاختناق من جراء أمراض الحسد والغيرة القاتلة التي تراكمها النفوس المريضة في المؤسسات الثقافية والإبداعية، سيشعر بالاختناق الممنهج فيرحل إلى ما وراء البحر هاربا من محيط “إبداعي” لا يحسن من الإبداع سوى اغتيال الجواهر وذبح العبقريات الجديدة من الوريد إلى الوريد. ها هو عبد القادر السيكتور بكل قوة وإبداع يدافع عن ثقافة بلده في دفاعه عن أصالة دشرته، لا بلد كبير بدون دشرة ولا دشرة جميلة بدون وطن عظيم، ها هو عبد القادر السيكتور يؤسس فنه ومسرحه خارج الثقافة الرسمية باردة المفاصل الغائبة عن واقعها، المغيبة عن وطنها بكل تفاصيله الصغيرة الكبيرة، ها هو عبد القادر السيكتور يصنع له ركحا في كل بيت جزائري، في كل قلب جزائري. انطلق عبد القادر السيكتور في مغامرته الفنية من مجرد نكات جلسات خاصة بالخلان والأصدقاء ثم إلى عريف فني للأعراس والولائم ثم تحول إلى صوت يعبر عن الضواحي والنواحي ليصل أخيرا إلى المدن الصغيرة والمتوسطة والكبيرة والكبرى ليهزم رداءتها وبرودتها وقساوتها وليؤسس فيها مجدا جديدا للضحك المنتصر، يزحف اسم عبد القادر السيكتور على الغرب الجزائري كله ثم الوسط ليستقر في عروض مدهشة بالعاصمة، ثم شيئا فشيئا يزحف على كل بلاد الجزائر ثم المغرب الأقصى ويصل أخيرا إلى فرنسا فيصبح ظاهرة مسرحية غطت على نجوم الفكاهة من المغاربيين، يغطي على كل من: جمال دبوز ومحمد فلاڤ وقاد المالح. لا حديث في فرنسا بين الجاليات المغاربية سوى عن  ظاهرة عبد القادر السيكتور الإبداعية.
  • لقد استطاع عبد القادر السيكتور بذكائه وفنه أن يحرر الجزائري من العبوسة ويخرجه إلى الابتسامة.
  • أمام فرجة عبد القادر السيكتور تضحك دون تحفظ (الضحك الذكي) من وعلى المهرب، من وعلى بائع الموز والهندية، وتضحك من وعلى انتهازية السياسي الجزائري، وتضحك من وعلى رجل الدين دون أن يجرح الدين أو المتدين الحقيقي الصادق، جريء في نقده، غير متصالح مع الرداءة والكسل والنفاق السياسي والاجتماعي الذي يغرق فيه مجتمعنا الجديد.
  • عبد القادر السيكتور، في جميع أعماله الإبداعية الفكاهية الساخرة القاتلة، له تلك اللهجة الغزواتية المخلوطة بلهجة امسيردية، كنت أعتقد أن عبد القادر السيكتور، ومثلي كان الجميع ممن أحاطوه يعتقدون أيضا، أن هذه اللغة التي لا تتجاوز منطقة السواحلية وامسيردا افاقة وامسيردا اتحاتة والعنابرة ومغنية… هذه اللهجة لا يمكنها أن تصل إلى البيت العاصمي، إلى أبناء سوسطارة وباب الواد وبلكور، إلى أبناء عنابة والطارف وبلاد القبائل الصغرى والكبرى، فكانت المفاجأة إذ استقبل الجزائريون واحتفلوا بدهشة وبإعجاب، على اختلاف لهجاتهم، بالعروض الفرجوية لعبد القادر السيكتور.
  • ماذا يقول إذن الفيلسوف هنري برغسون صاحب كتاب “الضحك” عن لهجة “دشور” استطاعت أن تتحول إلى لغة فنية لبلاد ولأكبر من بلاد، دون شك سيقول لنا هذا الفيلسوف العظيم؟؟ إن اللهجة مهما كانت جغرافيتها البشرية صغيرة يمكنها أن تكون قادرة على أن تتحول إلى لغة الجميع حين تتمكن من القفز إلى مستوى اللغة الدرامية، وهذا ما حصل بالفعل مع تجربة المبدع عبد القادر السيكتور، لقد ارتفع وعلا بلهجة دشور مهمشة ولكنها نموذجية إلى حس واستقبال وطني وقاري. لقد مسك عبد القادر السيكتور بقلب اللغة المدهشة وبشعرية لغة الدشور العظيمة.
  • أتساءل، وأنا أستعيد بنوع من الحسرة أو الألم أو ما يشبه ذلك، تفاصيل الخطوات الأولى لهذا المبدع، أما كانت المؤسسات الثقافية المسرحية “المتبرجزة” أو المغمضة العينين، أما كان لها أن تستفيد من تجربة عبد القادر السيكتور، ولو لغرض واحد، وهو إعادة فتح شباك التذاكر الذي يبدو أنه مقفل منذ الاستقلال، وبالتالي التوقف، ولو قليلا، عن حلب البقرة الحزينة للدولة، وفي الوقت نفسه جر الجمهور إلى الفرجة وإقامة تصالح ما بين الناس وبين فن الناس.
  • حين جاء عبد القادر السيكتور الجزائر العاصمة، قبل شهور، قدم عروضه تحت خيمة نصبتها له شركة من الشركات المتعاملة في الهاتف النقال (على ما أعتقد)، كان ذلك في ساحة من ساحات المدينة، ومن تحت هذه الخيمة استطاع  السيكتور أن يغزو العاصمة، أن يغزو قلوب أبنائها بفنه ولغته الشعبية المدهشة ومواضيعه التي يطرحها في عروضه، عالم جميل غارق في المحلية ولكنه ممتد في الوطن الكبير، فالعالم الواسع الفسيح يبدأ من عتبة البيت، فكانت لياليه العاصمية بعضا من ليالي “ألف ليلة وليلة” ولكنها على الطريقة الجزائرية الريفية البسيطة. من خيمة بسيطة بعيدا عن عالم بناية الأوبرا والقاعات التي يقال إنها مجهزة “بمقاييس دولية” (هكذا يقال وربك أعلم بعلمهم).
  • إننا، وأمام ظاهرة عبد القادر السيكتور بما تحمله من قوة النكتة التي تفجر العالم ضحكا، أمام هذا كله نشعر بأن مثل هذه الحالة الثقافية الفنية الفرجوية تؤكد ولادة وعي اجتماعي وسياسي جديد في جزائر ما بعد المرحلة الدموية. إن الشعب الذي ينتج فن النكتة وينتج الفرجة من خلال النكتة هو شعب واع، وأعتقد أن ظاهرة عبد القادر السيكتور هي علامة من علامات الوعي الاجتماعي الجديد في الجزائر الجديدة.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
18
  • يعقوب

    معاك يالخضرة معاك يا دزاير

  • sidali

    بسم الله الرحمن الرحيم

    حقا أنه ظاهرة و االه سمعت فقط منولوج "الهندية و البنانا" حقا انه مبدع سبحان الله إنسان بسيط له أفكار خارقة للعادة ارى انه لم يدرس في اي مدرسة ابداعية و لكنه بدع اكتر من المبديعين و لله لقد ادهشني لقد تعرفت عليه من طرف صديق لي مهندس في شركة اريكسون اتني بمسرحية الهندية و البنانا و قال لي سيدعلي سوف تندهش من عبقرية هدا الشخص و حقيقة لقد دهلت من طريقته البسيطة و الفريدة من نوعها لقد غطى جميع الفنانين الفكاهة في الجزائر و التي اصبحت اعمالهم يمل منها من يسمعها اطلب من المسؤولين ان يتركوه يعمل لأنه نجم الفكاهة رقم واحد في المغرب العربي

  • Omar

    Il faux qu'un artiste Algerien soit un star à l'étranger pour qu'il le sera chez lui!!!!!!!yak

  • تلمساني سيدأحمد الساحلي

    بسم الله الرحمن الرحيم.
    أنا من أوائل المتتبعين لهذا الفنان.لأنه ينتمي إلى موطني.
    حقا إنه ظاهرة بمعنى الكلمة في مجال الكوميديا.
    و المدهش فيه هو ليس قصصه و ما شابه ذلك بل الطريقة التي يطرحها بها ومذا عمقها السياسي و الإجتماعي و الديني.
    في البداية كان يقصها فقط في مقاهي الغزوات و سوق تونان .
    ثم ذاع صيته في أواخر التسعينات و أصبح يقدمها في الأعراس و خاصة من الذين لا يريدون إحضار الديجي.
    ثم إلى الجهوية عندما بدأ يتنقل إلى تلمسان و بلعباس و وهران و عين تموشنت ثم إلى باقي أرجاء الوطن ثم إلى العالمية .
    إنه فنان كوميدي بمعنى الكلمة رغم أنه ليس حامل لأي شهادة في هذا المجال بل إنه شيء فطري .
    لقد شرفتنا فعلا أيها الظاهرة أتمنى أن يستمر نجاحه لأنه يستحق ذلك.

  • Moulay

    إنه حقا مبدع لكونه بدء من حيث يجب أن يبدأ مشواره الفني المنولوجي و تدرج و لازال فتنبأنا له منذ سنوات بمستقبل فني
    رائع فهو لم يخيب .
    تمنياتنا له بالتوفيق و النجاح في مساره الفني.

  • مبارك الآولفي

    السلام عليكم: كتبت تعليقا يوم 2010/02/18 لكن حتى لليوم الموالي ولم ينشر، رغم ظهور الرسالة التي تقوةل أن الرسالة سيتم إعتمادها!!! وقد كانت الرسالة عادية جدا، وسأحاول كتابة ما أتذكره منها لعله ينشر هذه المرة!!!!!.
    أستاذي البكريم مشكور على هذه المقالة الطيبة والإلتفاتة الجميل لهذه الشخصية التي أدخلت الفرح والسرور على الكثيرين وبأسلوب حضاري ومتأدب............
    لكن لدي عتاب أستاذي، وهو أنك قلت أن صيته ذاع في ربوع الوطن وخارجه وعرجت إلى الشرق والغرب والوسط دون ذكر لجنوب ولو على سبيل التلميح، وكأننا في الجنوب لا نحسن فهم اللهجات الجزائرية أو أننا خارج مجال التغطية.....أستاذي الكريم من على الجهاز الذي أكتب إليك عليه هذه الكلمات به العديد من المقاطع المضحكة لسي عبد القادر السيكتور.
    ما أردت قوله من خلالكم أستاذي أن منطقة الجنوب على العموم تعيش على الأقل بعض التهميش إن لم نقل الكثير في الخطابات الرسمية والمقالات التي تتحدث عن أشياء تحدث داخل الوطن وكأننا تابعون لدولة مالي أو النيجر.....أرجو أن تكون كلمتي قد فهمت.

  • بدون اسم

    يا و مزيا البانان ما ينزرعش في الجزائر

  • algerienne

    j-aime beucoups vos ecrits mais vous n-etes pas encore sorti de votre region -msirda- qui en lisant vos ecrits j-ai l-impression que vous faites d-elle l-olympe greque de votre critique littreraire et philosophique . parler de telemcen est bon c-est une vieille reference civilisationnelle mais parler de toute l-algerie uni est encore mieux.

  • مسكتر

    أنا مسكتر
    ونبغي السيكتور
    وتحيا الشروق

  • معصيم .ي

    قليلون جدا امثال هدا الفنان المبدع والدي يصنع الفرجة والابتسامةفي اوساط العائلات الجزائريةبداخل الوطن وخار جه باسلوبه الدكي واللهجة السواحلية والمسيردية ستكون.حتماالمنتصرة على هنر ي بر غسون ولغته.

  • اعمر الزاهي

    فنان من قلب الجزائر و يعطيه الصحة

  • علي الغسال

    الأستاذ أمين المحترم ، هنري برغسون في كتابه الضحك قال لا يضحك إلا ماهو إنساني ، ولم يقل ما هو تهريج

  • mourad

    Je souhaite que elChourouk qui sélectionne les commentaires publie le mien...
    L'Algérie ne verra jamais la prospérité intellectuelle tant que des pseudo-intellectuels tel que Zaoui continuent à nous souler avec leur hémoragie cervicale délirante et banale...(ki ghabet el touyour..jette el hama tdour)..pensées à rachid mimouni, kateb yassine et d'autres intello de principes....longue vie à Boualem Sansal....quant aux pseudo intello ...je leurs dis..continuez à délirer, continuez à profitez de notre chere ALGÉRIE, vous êtes payés pour rien...parasites. GOD BLESS ALGERIA

  • amar

    bonne continuation et vive msirda

  • مبارك الآولفي

    لقد إنتشرت نكته وذاع صيته، لكن ما أعتبه عليك أستاذي أنك لم تتطرق لناحية الجنو في مقالك رغم أنك ذهبت إلى خارج الوطن ثم رجعت إليه لتشرق وتغرب، دون أن تعرج على الجنوب وكأنه خارج التغطية أو انه لا يدري ما يجري في وطنه الحبيب أو انه لا يفهم بقية اللهجات، .......من على الجهاز الذي أكتب من خلاله هذه الكلمات لدي العديد من المقاطع لهذا الفكاهي المبدع وأستمع إليه دائما......وأنا ألمس هذا النوع من التهميش في العديد من المواضيع لذا وجب التنبيه والحرص على ذلك.
    أرجو أن يكون كلامي واضحا، وهو نقد أرجو أن يكون بناء وأن يِؤخذ في الحسبان..........تحياتي من بلد الألفة والتآلف.

  • rachid birini

    ان اروع ما في اسلوبه هو الضحك الهادف لا العابث فهو يحاول مع كل نكتة ارساء قيمة اخلاقية وفكرة اصلاحية وهدا ما جعله الافضل بكل تاكيد

  • عاشقة الجزائر

    هنيئا على ابداعك المتألق أيها الفنان "الظاهرة" وأريد أن أقول لك أنني أفتخر لأنك من نواحينا فأنا أقطن بمدينة مغنية وقد تعلقنا بك كثيرا وبنكتك الرائعة ولهجتك الغزواتية الحرة فهنيئا ونحن نتمنى لك المزيد من التألق والنجاح والانفتاح على أبواب الشهرة داخل الجزائر وخارجها... حظا موفقا

  • عاشقة الجزائر

    هنيئا على ابداعك المتألق أيها الفنان "الظاهرة" وأريد أن أقول لك أنني أفتخر لأنك من نواحينا فأنا أقطن بمدينة مغنية وقد تعلقنا بك كثيرا وبنكتك الرائعة ولهجتك الغزواتية الحرة فهنيئا ونحن نتمنى لك المزيد من التألق والنجاح والانفتاح على أبواب الشهرة داخل الجزائر وخارجها... حظا موفقا