عرب حيفايروون تاريخهم مع المجازر.. اجبرونا على نهب الاموال وحرق جثامينهم

مسلسل‮ ‬دامي‮ ‬طويل‮ ‬يلازم‮ ‬السجل‮ ‬الصهيوني‮ ‬الحافل‮ ‬بالمجازر‮ ‬بدأ‮ ‬قبل‮ ‬قيام‮ ‬إسرائيل‮ ‬عام‮ ‬48‮. ‬لم‮ ‬تكن‮ ‬مجزرة‮ ‬قانا‮ ‬الثانية‮ ‬حادثة‮ ‬عارضة‮ ‬او‮ ‬خطأ،‮ ‬إنما‮ ‬حلقة‮ ‬في‮ ‬سلسلة‮ ‬مجازر‮ ‬متواصلة‮.‬مراسل‮ ‬الشروق‮ ‬من‮ ‬حيفا‮/ ‬تيجان‮ ‬أفندي
ومن‮ ‬أبرز‮ ‬هذه‮ ‬المجازر‮ ‬بحق‮ ‬الفلسطينيين‮ ‬مذبحة‮ ‬مسجد‮ ‬دهمش‮ ‬في‮ ‬مدينة‮ ‬اللد‮ ‬داخل‮ ‬أراضى‮ ‬48‮ ‬والتي‮ ‬استهدفت‮ ‬التطهير‮ ‬العرقي‮ ‬بالمدينة‮ ‬وتهجير‮ ‬أهاليها‮ ‬الذين‮ ‬لم‮ ‬ينج‮ ‬منهم‮ ‬حتى‮ ‬من‮ ‬احتمى‮ ‬بالمساجد‮ ‬والكنائس‮.‬

في حديث لـ ” الشروق اليومي” كشف الشيخ فايق ابومنة (أبو وديع-77 عاما) تفاصيل جديدة حول المجزرة المهولة في شهادة رواها في منزله في اللد أمس، بالقول “ما أشبه البارحة باليوم”. وأشار إلى ان العصابات اليهودية اقترفت مذابح مختلفة بحق الأهالي في المدينة، مؤكدا ان دوريات عسكرية كانت تجوب الشوارع وتدعو عبر مكبرات الصوت مغادرة المكان، لان ذلك “أفضل” لهم كي لا يلقوا مصير من ذبحوا في مسجد دهمش. وقال إنه بعد دخول اليهود من جهة الشرق وسقوط المدينة أمر المحتلون منادي المدينة خميس كركر بدعوة الناس بعدم التجول ثم الانتقال الى وسط المدينة. واضاف” واحتمى نحو 40 من ابناء أسرتي وأقاربي في غرفتين فقط داخل بيتنا في حارة “الزمر” خلف مركز البوليس. ألزمنا الجنود الصهاينة بمغادرة البيت وتركنا خلفنا جدتيّ المسنتين وهما تولولان باكيتين واقتادونا الى وسط البلد عند جامع دهمش والمسجد الكبير‮ ‬والكنيسة‮ ‬وهناك‮ ‬اعتقلوا‮ ‬الشباب‮ ‬وأجبروا‮ ‬البقية‮ ‬على‮ ‬ركوب‮ ‬السيارات‮ ‬والدواب‮ ‬ومغادرة‮ ‬المدينة‮ ‬الى‮ ‬الشرق‮ ‬باتجاه‮ ‬رام‮ ‬الله‭. ‬

ولفت أبو منة ان الجنود كانوا يحتجزون الشباب ويسجلون اسماءهم داخل مسجد دهمش قبل اعتقالهم. وأشار الى ان المدينة كانت امتلأت بالمواطنين بعد نزوح عشرات الالاف اليها من المناطق المجاورة، مستذكرا الاعداد الكبيرة التي نامت تحت الاشجار. وأوضح ابو منة ان شابا كان يدعى جميل هيرون قد ألقى بقنبلة على بعض الجنود قبالة المسجد وقتل اثنين منهم قبل ان يقنصه جندي آخر كان على سطح منزل مجاور. وأضاف” عندها صارت حالة من الفوضى، فهربت من المكان ولاحقا قام احد الجنود الصهاينة بالانتقام بواسطة حصد العشرات داخل قاعة المسجد.

ولفت فايق ابو منة ان الجيش الاسرائيلي اقتاده من منزله بعد أسبوع مع عشرة شباب عرب اخرين منهم اخوي خليل وابن عمي انطون ابو كامل الزين الى مسجد دهمش، حيث كانت حوالي 70 جثة مكدسة في غرفة بجانب ساحة المسجد، فيما كانت الجدران ملطخة بالدماء واثار الرصاص منتشرة جدا فيها. وأضاف “كانت رائحة الجثث المتعفنة قد ملأت الفضاء ولما دخلنا الغرفة من جهة اليمين ذهلنا لمشاهدة كمية هائلة من جثث الناس الذين حشروا في غرفة ورموهم بالنار. وأذكر انهم كانوا من الرجال عدا سيدة ترتدي لباس فلاحي بجوارها طفلتان توأمان بالسابعة من عمريهما بالتأكيد‮ ‬هي‮ ‬من‮ ‬قرية‮ ‬مجاورة‮. ‬كنا‮ ‬نرفع‮ ‬الجثث‮ ‬على‮ ‬أكياس‮ ‬من‮ ‬الخيش‮ ‬وأحيانا‮ ‬كان‮ ‬ينسلخ‮ ‬اللحم‮ ‬عن‮ ‬العظم‮ ‬ولم‮ ‬نتمكن‮ ‬من‮ ‬التعرف‮ ‬على‮ ‬احد،‮ ‬لان‮ ‬الوجوه‮ ‬كانت‮ ‬منتفخة‮”‬

متكأ على عكازه وقف أبو منة قبالة مكان إضرام النار بالجثث داخل مقبرة اللد الاسلامية واستذكر باسى وحسرة كيف تم نقل الجثث بتعليمات الجيش الى المقبرة بالسيارات. ونوّه الى ان الجنود الصهاينة منعوهم من دفن الجثامين وأجبروهم على حرقها عدا جثث السيدة والطفلتين اللاتي تم دفنهن في قبر جماعي بالركن الشمالي الشرقي للمقبرة. وأضاف “جمعنا كافة الاخشاب والاعشاب اليابسة في المقبرة وأمرونا بجلب القماش والملابس من المنازل المجاورة وتكديسها على الجثث. أذكر اننا وجدنا بدلة عروس ايضا. بللنا الجثث بالمازوت وأضرمنا النار بها بعد ان نظفنا ملابس الموتى من الادوات البسيطة كالسكاكين الصغيرة والاموال والخواتم التي كانت بحوزتهم والتي أخذها الجنود طبعا وقد ارتفعت ألسنة اللهب نحو 20 مترا ثم اقتادونا الى الاعتقال لسجن في منطقة اجليل”. وأكد أبو منة وقد اغرورقت عيناه بالدمع ان الجنود سألوه عما‮ ‬اذا‮ ‬كان‮ ‬احد‮ ‬من‮ ‬زملائه‮ ‬حافظا‮ ‬للفاتحة‮ ‬ولفت‮ ‬ان‮ ‬صديقه‮ ‬أبو‮ ‬كامل‮ ‬الزين‮ ‬تلاها‮ ‬قبل‮ ‬إضرام‮ ‬النار‮ ‬فيها‮.‬

وأوضح انه سمع لاحقا من بعض الجنود اليهود ممن أقاموا في المدينة بعد سقوطها كيف أعدم المواطنون في المسجد وكيف عادوا الى المسجد بعد دقائق معدودة من المذبحة ونادوا بالعربية وكأنهم عربا جاءوا للنجدة: هل هناك جرحى وعندما نهض بعضهم حصدوهم بالنار ثانية قبل ان يغادروا‮ ‬المسجد‮.”