-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عرسٌ بمليار سنتيم!

عرسٌ بمليار سنتيم!

سمعنا مواطنا، يتحدث مع أقاربه، ويقسّم بالله، بأن عرس ابنته كلّفه “مليار سنتيم”، وبقدر ما أدهشنا الرقم، أدهشنا أكثر عدم دهشة أقاربه، الذين رأوا الرقم عاديا ومنطقيا، بسبب ما أسموه “ضروريات الفرح”، من مهر وجوائز ذهبية وسيارات فاخرة وقاعة الحفلات وشهر العسل وفستان وبدلات الفرح، وغيرها من متطلّبات الأعراس، ضمن إجماع على أن الفرح لا بدّ وأن يُحدث الأذى بأصحابه، وينتهي بتنهيدات الشكوى التي تستمر عدة سنوات، من أهل العرس ومن الطرفين.

نعرف بأن البناء المرصوص، لا بد أن يكون أساسه سليما، ولا نفهم لماذا يصرّ الجزائريون على تعقيد السهل وتسويد البياض، وهم الذين لا يكفّون عن انتقاد الحكومات المتعاقبة عندما يرونها تقيم المهرجانات، وتقيم موائد الغداء، على شرف الضيوف، قناعة منهم بأن الأمر مجرَّد تبذير للمال العام، بينما يتفنَّن الجزائريُّ في تبذير ماله الخاص.

ولأنَّ أمر مليار سنتيم في عرس ابنة هذا المواطن استفزنا وأرّقنا وآلمنا، فقد سألنا عن مهنته وعرفنا بأنه أستاذٌ في ثانوية، لا يكاد ينهي شهره دون أن يسأل عن زمن دخول راتب شهره القادم، ولأننا مازلنا نتقن بعض الحسابات الرياضية، فقد خلُصنا إلى أن جمع مليار سنتيم من أستاذ في الثانوية يتطلب ما لا يقل عن خمسة عشر سنة، من دون صرف دينار واحد من المرتّبات التي تصل الأستاذ، ولأننا أيضا درسنا بعض الميتافيزيقا في الفلسفة، فإن ما حدث مع هذا الأستاذ ومع غيره من الذين فرحوا وتألموا بأعراس أبنائهم هو ضرب من الميتافيزيقا، وهي لا تختلف عن شاب بطال يدخن علبة “مارلبورو” يوميا، وحارس ليلي دخلُه لا يزيد عن ثلاثة ملايين، يقتني خروف العيد بعشرة ملايين سنتيم، وعائلة بسيطة تنفق قرابة العشرين مليون سنتيم بين رمضان وعيد الفطر المبارك.

الفعل الاقتصادي يبدأ وينجح لدى الأفراد، فعندما نجد شابا لا يعلم كم عدد السراويل والأقمصة والأحذية في خزانته، ونجد عائلة تمتلك أربع سيارات موزعة على أفرادها في المسكن ذاته، ورجلا يشتري لأبنائه التلاميذ في الابتدائي “آيفونات”، من آخر طراز، ويتباكى على غلاء المعيشة، ويتهم السلطة بالتبذير، ندرك بأن العيب فينا وما لزماننا عيبٌ سوانا.

المواطن الجزائري مفروض عليه أن يعيش حسب دخلِه الشهري، قبل أن ينتقد السلطة؛ فمن غير اللائق أن نرفض من وزارة الثقافة إقامة المهرجانات الغنائية وإقامة ولائم البذخ، وأعراسنا مهرجانات مصغرة وتبذير للمال الخاص، وأن نطلب من الحكومة ترشيد النفقات ونحن نبذّر في أفراحنا الملايين في اللوز والجوز والموز والمتبوعة بالهمز واللمز، وأن نرفض أن تلعب أنديتنا ورياضيونا بالملايير، ونحن نلعب بأموالنا التي نجمعها في كل شهر، ونسجِّل عبرها أهدافا كلها من وضعية متسللة.

نسينا أن نقول إنّ هذا المواطن الذي أقسم بأنه أنفق مليار سنتيم في عرس ابنته، أقسّم أيضا بأن نصفه دَينٌ على رقبته!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!