-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عزل حماس والتطبيع والإبراهيمية لتصفية القضيّة

عزل حماس والتطبيع والإبراهيمية لتصفية القضيّة

بعد كلّ المجازر الحربية المروِّعة وحمام الدم الجاري في غزّة منذ 72 يومًا من العدوان الصهيوني المتواصل، ظهر قادة الكيان مستجدين لأهل القطاع، في محاولات يائسة لقطع المقاومة التحرريّة عن جذورها الشعبية الحاضنة، وليس ذلك إلا دليلا آخر عن عجز العدوّ في حسم المعركة عسكريّا.

لو كانت نهاية حماس وشيكة كما يزعم نتنياهو، فلماذا ترجّى المجرمُ أبطال القسام لأجل الاستسلام، قائلا لهم “لا تموتوا من أجل السّنوار… استسلموا الآن”؟!

لقد أدرك الكيان الإسرائيلي أنّ الانتصار مستحيلٌ في هذه الحرب الوحشية، برغم الخسائر البشرية الفظيعة والدمار المادي الرهيب، إلا بتنفيذ إبادة بشريّة نهائية وتهجير كامل للسكان أو تحقيق الاختراق الشعبي، عن طريق الإيقاع بين الفلسطينيين ومقاومتهم الباسلة، وهو ما يحاول حاليّا ممارسته في ظل ضغوطٍ معقدة عسكريّا وسياسيا وأخلاقيا، لم يسبق له مواجهتها منذ 1948، بشهادة قادته السفاحين وخبراء الحروب.

لقد كان مضحكًا، ولافتًا في آن واحد، ما نطق به مؤخَّرا المتحدِّثُ باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، أوفير غندلمان، حينما توجّه بخطابه لأهالي غزة وباللغة العربية، قائلا: “يمكن إنهاءُ معاناتكم اليوم لو ألقت حماس سلاحها.. بعد الحرب ستتحسن الحياة في غزة، وسيتم إعمارها من جديد وسينعم الغزيّون بالأمان والاستقرار والازدهار”.

وهي رسالة واضحة تفيد أنّ جيش الاحتلال فشل في كسر شوكة حماس ميدانيًّا برغم التفوق العسكري الهائل واختلال موازين القوى الماديّة، لكنه لم يهزم إرادة المقاومين وعموم الفلسطينيين في الدفاع عن حياتهم وأرضهم، فلجأ إلى إغراء ساذج بوعود صهيونية لا عهد فيها ولا أمان، والمطلوب فقط هو إعانته على عزل كتائب القسام وإنهاء سلطة حماس في القطاع، وبعدها ستحوّله “إسرائيل” إلى جنة فوق الأرض، مثلما ورد حرفيّا على لسان المسؤول الصهيوني نفسه.

أكثر من ذلك، عرض الاحتلال الإسرائيلي مكافآت تصل 400 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات عن  أبرز قادة حماس في غزة، وعلى رأسهم القائد يحيى السنوار، معتبرا نداءه هذا “من أجل مستقبل غزة”.

إنّ هذه المناورات الإسرائيلية تندرج ضمن خطة أشمل تتصل بالسعي إلى تغيير جذري في عقيدة الفلسطينيين والعرب وعموم المسلمين المرتبطين بالقضية المركزية، من خلال مسح تلك الصورة الفعلية في الذهن الجمعي، من كوْن “إسرائيل” احتلالاً استيطانيّا وعدوّا حضاريّا بكل المقاييس إلى اعتبارها “دولة” جوار قابلة للتعايش مع الآخرين.

وإذا كان الكيان قد فشل في تسويق هذه الصورة الخادعة طيلة عقود، فإنه لم ييأس من ترويجها حتى الآن، بل هو أحرص ما يكون في السنوات الأخيرة بتوظيف عملائه العرب، والاستعانة بترسانة إعلامية وتكنولوجيا رقمية هائلة لإعادة تشكيل العقل الفلسطيني والعربي والإسلامي، في رؤيته للقضية المركزية، بعناوين وشعارات كثيرة، تتقاطع كلها في بيع الوهم، والتغطية على حقيقة الصراع الوجودي بين الأمة والمشروع الصهيوني.

وفي هذا الاتجاه، تلتقي دعوات الاحتلال لاستئصال حماس داخليّا وخارجيّا مع مشروعي التطبيع وما يسمّى “الديانة الإبراهيمية” المزعومة، وهي بلا شك أخطر سيناريوهات ومراحل الصراع الإسلامي الصهيوني في المنطقة، لأنها تستهدفه في عمقه الحضاري.

إنّ ما تريده “إسرائيل” من السعي بكل قوّة لاجتثاث حماس هو إبعاد الحافز الديني من المعركة التحرريّة، لأنه مكمن القوة النفسيّة والمعنويّة الأسطوريّة التي أبان عنها الشعب الفلسطيني في غزة، طيلة كل معاركه الملحميّة مع العدوّ، خاصة خلال العدوان الأخير، إذ ظهر صامدا بشكل مذهل أمام آلة الموت الهمجية، تمسكًا بالحق المقدس في الحياة، وفرحًا بالشّهادة.

وهي في ذلك، إنما تواصل في الواقع مخططها الذي بدأته عبر التطبيع منذ توقيع اتفاقات كامب ديفيد عام 1978، بهدف كسر الحاجز النفسي أمام تقبل “إسرائيل” في المنطقة، لأنّ فرض الأمر الواقع بالقوة العسكريّة ظل مكلفا بشريّا وماديّا للكيان الصهيوني وحلفائه الغربيين منذ 1948، ولا يمكنه أبدا ضمان استمرارية الاستيطان إلى ما لا نهاية.

أما الآلية الجديدة ضمن الأدوات المتقدمة للصراع فهي فرية “الديانة الإبراهيمية”، والتي تعدّ أخطرها على الإطلاق، إذ جندت لها الصهيونية العالميّة مراكز التفكير والتخطيط منذ سنوات، وتنفذها اليوم بطرق ماكرة عن طريق دول عربية تقدم نفسها عرّابا للسلام العالمي، للتتويه على الخطة الحقيقية الرامية لنزع فتيل العقيدة الإسلامية من طريق الصراع الحضاري مع الكيان والإمبريالية، بإدِّعاء وحدة الأديان السماويّة، بينما يؤسس الغرب في الواقع استشرافه لديمومة الهيمنة على ضرورة منع العملاق الإسلامي من العودة إلى المسرح الدولي، مثلما قرّره صامويل هنتغتنون.

إنّ تلك المؤشرات التي تتوزع بين الداخل (المقاومة الإسلامية) والخارج (التطبيع والإبراهيميّة)، لا تمثل سوى مستويات متكاملة تصب في هدف واحد بالنسبة للكيان الصهيوني في إدارة وجوده الاستيطاني، وهو محاولة تحييد العقيدة الإسلامية والقومية من حربه مع الأمة، عن طريق اختراق الوعي الشعبي وتنشئة الأجيال الجديدة على رؤية مغايرة في علاقتها بـ”إسرائيل”.

وفي سبيل الوصول إلى المبتغى، تتحالف أموالٌ عربيّة بمنظومتها الإعلامية والعلميّة ومراكزها “التفكيريّة” مع الإملاءات الأمريكية باسم “إصلاح التعليم”، لصناعة “إسلام منزوع الدسم”، وشعوب مائعة لا ترى في الكيان الإسرائيلي مشكلةً في الشرق الإسلامي، بل المعضلة الرئيسة عندهم هي التطرُّف الديني الذي ينبغي محاربته بإشاعة التسامح وروح التعايش، حتى يتمكن الاحتلال بالسلم من تحقيق ما عجز عنه بالحروب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!