-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عقابٌ دولي مقيت

حسين لقرع
  • 759
  • 0
عقابٌ دولي مقيت

بدل أن تضغط الدولُ الغربية على الاحتلال للتوقّف عن ارتكاب مجازره اليومية المهولة بحقّ سكان غزة، وإنهاء الحرب، ورفع الحصار الجهنمي المضروب عليهم منذ بداية الحرب، فضّلت هذه الدول وقف مساعداتها المالية لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين وتشغيلهم “الأونروا”، بذريعة أنّ تقريرًا صهيونيًّا “كشف” تورّط 12 من موظفي الوكالة في هجوم 7 أكتوبر 2023.

كان على الدول الغربية الـ12 التي اتّخذت قرار وقف مساعداتها المالية لـ”الأونروا” أن تتريّث إلى غاية انتهاء التحقيق الذي فُتح بشأن هذه “القضيّة”، وتتأكّد تماما من مزاعم الاحتلال، وبعدها تقرّر، لكنّ الذي حصل أنّها اتّخذت قرارها فورا، ومن دون أي دليل قاطع. ولا ريب أنّ التسرّع في اتخاذ القرارات المصيرية والخطيرة أمرٌ يُشين حتى الأفراد، فما بالكُم بالدول التي يُفترض أن تتصرّف بالكثير من الرزانة والتعقّل والتروّي، لأنّ الأمر يتعلق بمعاناة 2.3 مليون فلسطيني في غزة بحاجةٍ ماسّة إلى مساعدات “الأونروا”، ولاسيما في مثل هذه الأيام التي يشتدّ فيها الحصارُ الصهيوني ولا تدخل المساعداتُ الدولية من غذاء وماء ودواء ووقود وأفرشة وأغطية وخيم… إلا بالتقتير.

ومن ثمّ، فإن قرار 12 دولة غربية قطعَ التمويل عن “الأونروا” هو مشاركةٌ فعلية في جريمة الحصار الصهيوني على سكان القطاع، وتعميقٌ لمعاناتهم الإنسانية التي بلغت درجة المجاعة في عزّ الحرب.

ويؤكّد أيضا هذا القرارُ المتسّرع مدى الانحياز الأعمى للدول الغربية إلى جانب الاحتلال الصهيوني، وميلها إلى تصديق سردياته الكاذبة الواحدة تلو الأخرى، بالرغم من ثبوت كذب مزاعم الاحتلال السابقة كلّها؛ فعقب غزوة 7 أكتوبر المباركة، ادّعى العدوُّ أنّ المقاومين قتلوا 40 طفلا صهيونيا وأحرقوا جثثهم وقطعوا رؤوس بعضهم واغتصبوا نساءً وفتياتٍ في مستوطنات الغلاف، وصدّق الغربُ هذه الكذبة وروّج لها أياما عديدة قبل أن يثبُت زيفُها تماما، وبعدها صدّق كذبة صهيونية أخرى مفادها أنّ صاروخا لحركة “الجهاد الإسلامي” انحرف عن مساره وسقط على مستشفى “كمال العدواني” وقتل قرابة 500 لاجئ فلسطيني بالخطأ، مع أنّ المقاومة أطلقت أزيد من 11 ألف صاروخ على مستوطنات الاحتلال ومدنِه منذ بداية الحرب ولم تجرح سوى بضعة أفراد بسبب قدراتها التدميرية المحدودة، فكيف يمكن أن يقتل صاروخٌ واحد قرابة 500 شخص؟ ثم زعم الاحتلال أنّ قيادة “حماس” موجودة في أنفاق أسفل مستشفيات غزة واتّضح لاحقا زيفُ هذه الرواية، واليوم تسارع دولُ الغرب إلى تبنّي سردية تورّط 12 موظفا بـ”الأونروا” في هجوم 7 أكتوبر، فإلى متى يبقى عمى البصيرة لدى الغرب وهذا الانحياز الفاضح للاحتلال؟

وحتّى إذا افترضنا جدلا أنّ 12 فلسطينيا موظفا في “الأونروا” شارك في هجوم 7 أكتوبر، فهل يكفي هذا لقطع التمويل عن هذه المنظمة الأممية؟ هل يُعقل أن يعاقَب 2.3 مليون إنسان بـ”جُرم” 12 فردا؟ أهكذا تتصرّف الدولُ المحترمة؟

منذ أيام قليلة، أمرت محكمةُ العدل الدولية الاحتلالَ بـ”اتخاذ إجراءات فورية وفعّالة للسماح بتوفير خدمات أساسية ومساعدات إنسانية يحتاج إليها الفلسطينيون بإلحاح، لمواجهة ظروف العيش غير الملائمة”، وكان من المفترض أن تحثّ دولُ الغرب الاحتلالَ على الانصياع لقرار أسمى محكمةٍ دولية، لكنّها بدلا من ذلك، آثرت أن تشارك بنفسها في تشديد الحصار على سكان غزة من خلال قرار قطع مساعداتها المالية لـ”الأونروا”، وكأنّها بذلك تردُّ على محكمة العدل الدولية، وتشجّع الاحتلال على مواصلة أعمال الإبادة والحصار، وتنتقم من الفلسطينيين وتعاقبهم جماعيا على صمودهم الأسطوري في أرضهم ورفض التهجير إلى سيناء.

قبل نحو 5 سنوات، تبنّى الرئيسُ الأمريكي السابق دونالد ترامب دعوة صهيونية إلى إنهاء مَهمّة “الأونروا” بهدف تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم نهائيا في البلدان التي يوجدون بها حاليا، ورحل ترامب من البيت الأبيض وبدا أنّ الفكرة فشلت، لكنّها اليوم تُبعث من جديد حتى قبل أشهر من عودته المحتملة إلى الحكم بأمريكا، لأنّ إدارة بايدن، الشريكة الأولى للاحتلال في إبادة الفلسطينيين، تبنّت هذه الفكرة بدورها وشرعت في تنفيذها من خلال قطع المساعدات عن هذه المنظمة والإيعاز لـ11 دولة أخرى لتحذو حذوها.

بعد أن فشل الاحتلال في تهجير سكان غزة إلى سيناء، يحاول الآن تحقيق “إنجاز” آخر يعوّض به فشله، وهو تصفية قضية اللاجئين من خلال غلق “الأونروا”، وما قطعُ 12 من حلفائه مساعداتهم لهذه المنظمة إلا خطوة أولى في هذا الاتجاه. المؤامرةُ الصهيونية – الغربية تتواصل ضدّ الفلسطينيين وحلقاتُها تتوسّع وأساليبُها تتنوّع، ومع ذلك، تقابلها الدولُ العربية والإسلامية بصمتٍ مطبق ومريب!.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!