-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
في صحبة موسى والخضر

علم الكشْف ليس مُكاء وتصدية

أبو جرة سلطاني
  • 979
  • 4
علم الكشْف ليس مُكاء وتصدية

في هذه القصّة المعجزة علم لم يستطع موسى الصّبر على تعلّمه؛ فما حقيقة هذا العلم؟ وكيف يأخذ رسولٌ يُوحى إليه عن غيره العلمَ وهو غنيٌّ بالوحي عما سواه من العلوم؟ وهل “العلم اللّدنّي” تعليم خصّ الله به هذا الرّجل الغامض الذي قيّض لموسى -عليه السّلام- وحده لقاءه الصّريح المعلن عنه بلسان الوحي الصّادق ليأخذ عنه شيئا من “العلم اللّدنّي” ثم يغور في الزّمن؟! أم إنّ اللقاء به متاحٌ في اليقظة أو في المنام لمن زهد فعفّ وصفا فشفّ واستقام فوفّى؟! وهل إشراقة الأولياء تكشف حقّا عما وراء الحجب فيكون بعضهم في غنًى عن مدد الأنبيّاء ووحي المرسلين؟ أم هي مجرّد “شطحات صوفيّة” لا صلة لها بما حدث من لقاء واتّباع وعلم وتعلّم بين رجليْن كلاهما مصطفى بنعمة ربّه موصوف بكمال الاتّصال بخالقه بما يسّر له من علم؟ فهذا صُنِع على عينه وذاك أتاه رحمة من عنده وعلّمه من لدنْه علما؟

كان لموسى -عليه السّلام- فتًى يخدمه ويرافقه في أسفاره، تذكُر بعض الكتب القديمة أنّ اسمه “يوشع بن نون” أوقف حياته على خدمة نبيّ الله موسى -عليه السّلام-، وهو من نسْل نبي الله يوسف -عليه السّلام-. خرج معه في رحلة بحث عن عبد صالح أتاه الله علما خاصّا من لدُنْه؛ ليس وحيًا ولا شريعة ولا حديثا قدسيّا ولا حديثا شريفا. ولا صلة له بما كان مكتوبا في التّوراة. ومن هذه الكوّة المفتوحة على عالم الغيب أراد الحقّ -جل جلاله- أن يجعل هذه القصّة حجّة على علماء بني إسرائيل وحلقة ربْط بين الرّسالات الثّلاث التي تنزّلت بمنهاج التّوحيد وبشرائع مختلفة. فربط الله بها بين ما جاء به يوسف -عليه السّلام-، كونه أحد أسباطهم من أبناء يعقوب -عليه السّلام- وبين ما جاء به موسى -عليه السّلام-، كونه النّبيّ الذي أخرجهم من عبوديّة فرعون إلى الأرض التي بارك الله حولها، وأكرمهم برسالة سماويّة تنزّلت بها التّوراة جملة واحدة، فما رعوها حقّ رعايتها، وظلّوا يزعمون أنهم متمسكون بالموسويّة وتجانفوا عن الإسلام بتسميّة أنفسهم “اليهود” كما سمّى أتباع عيسى -عليه السّلام- أنفسهم “نصارَى” وكلاهما مسلمون: ((وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) (البقرة: 135)، وهم الذين قال لهم نبيّهم موسى -عليه السّلام- توكّلوا على الله إن كنتم مسلمين: ((وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ)) (يونس: 84)، وجعله الله جميعا مسلمين: ((قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)) (البقرة: 136).

فلما بعث الله محمّدا –صلّى الله عليه وسلّم- نبيّا رسولاً خاتما لرسالة الإسلام نكصوا على أعقابهم وتنكّروا للإسلام الذي كان مكتوبا عندهم في التّوراة، وجحدوا أوصاف النّبيّ الأمّي الذي يأتي من بعد عيسى -عليه السّلام- اسمه أحمد. وكلّ ذلك مجانف للإسلام الذي هو دين جميع رسل الله، لأنه الدين الوحيد عند الله وما عداه أهواء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • عمر

    فهْم شخصية الخضر ولغز قصته مع موسى عليهما السّلام ..هي موجودة في ستور النص القرءاني.. إنْ أمْعنّا النضر وتأمْلنا تسلسل لقطات القصة التي خلّدها القرءان الكريم..فالنبيّ لا يعلم كل شئ وجوبا ولكن يحيط علما برسالته..وهناك من هو ليس بنبيّ ويعلم ما لا يعلمه النبيّ خارج الرسالة.. والأفعال اللتي قام بها العبد الصالح كلها تنافي الشريعة الموساوية وغيرها وتنافي العقل و المنطق البشري والواقع الظاهري..ولم يتقبلها موسى.. ولكن موسى سلّم الأمر لله ويعلم أنّ لله في خلقه شؤون.. ولذلك نبيّ الإسلام عليه السّلام كان يدعو ويقول" وقل ربّ زدني علما ".. هناك الفعل وحكمة الفعل.."وعسى وعسى...كما ينبهنا إليه القرءان في آياته.وأعمال العبد الصالح المأمور قد ييجريها الله مباشرة بواسطة أو بغير وسطة..قد يقوم الله بأفعال غير مفهوم حكمتها ككثير من العبادة..لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)..فهو يسأل ولا يوسأل. والله أعلم.

  • حمو

    الخضر في بعده الفلسفي هو رجل يسكن الجنة الخالدة و يملك مفتاح الشباب الدائم بلا امراض و لا شيخوخة و لا موت، الموت الذي قهر كل طموحات الانسان.

  • لزهر

    طقوس الهنود الحمر و معتقداتهم تختلف تماماً بحكم البعد الزمني عن معتقدات و طقوس اليهود في الضفة الأخرى من الأرض. ألوان الطبيعة الزاهية جعلتهم يرقصون طوال حياتهم لأن البيض كانوا بعيدين كل البعد عنهم وليس هناك من يعكر صفو حياتهم. فكانت تعكس مظاهر الطبيعة كالرياح و البرق و الرعد كما رقصوا للكواب و النجوم و الشمس و النار و كانوا يعتقدون أنهم يتحكمون في الدخان المتصاعد ليبعث رسالة إلى السماء لتحميهم ولم يكون لهم كتاب. فكيف تفسر بكاء اليهود عند حائط المبكى وهم الذين لديهم كتاب مقدس. إذن الصراع العرقي و الديني بدأ في الطبيعة التي إلتقت فيها مجموعة من الوجوه الغير متشابهة و بدأت بالمناوشات و توسعت إلى قبائل و...

  • نمام

    السنا في حاجة للمزيد من العقلانية العلمية لا لعقليات غيبية وشطحات غيبية ونعلم ان الغرق في مثل هكذا تعبئة خرافية شعبية اتريدون الانقطاع عن ما نعاني منه من مشاكل الحياة و ما اكثرها هذه الايام وهي هموم تتطلب تحليلا علميا عقلانيا لا كشفا و شطحات لذا نرى ظاهرة التخوين وملاذ الدين الشعبي زوايا واضرحة وزردات وبخور مجتمع مازومتظهر فيه هذه الشطحات مجتمع ذاق الويلات واعتاها الحكم الفردي و الاستبدادي وانسداد الافق وتغييب تحت الديكتاتوريات الصريحة و المقنعة وتوهمون بانهم كانوا على مقربة من الانتصار لولا الخيانة و التامر على الدين و المسار