الرأي

على الحراك التخلص من المتطرفين

حسان زهار
  • 1882
  • 12
ح.م

كما أن أصوات العقل ظهرت وسط الحراك، وإن كان في ذاك العقل بعض المنافع، فإن أصوات التطرف بدورها لم تتخلف لكي تطل برأسها هي أيضا.

منذ البداية كان المتطرفون معروفين، لكنهم كانوا يختبئون بمكر ولؤم شديدين، وراء الاصوات العاقلة بينهم، بل وكان المتطرفون يستخدمون العقلاء بطريقة وقحة، ويستغلونهم أسوأ استغلال.

عندما ظهرت أصوات التطرف الفاجرة، تلك التي استهترت بقيم الشعب وثوابته، وهاجمت من يحملون صور ابن باديس وبن مهيدي، ووصل بها السقوط الأخلاقي حد الاعتداء على النساء والشيوخ، كانت الشعارات الوسخة هي طريقة المتطرفين لاختراق الحراك، فكان أن سمعنا عجبا، وقد عشنا خلالها رجبا وما بعد رجب.

حمل المتطرفون كل أشكال البذاءة في شعاراتهم، خونوا قيادة الجيش التي تحمي ظهورهم وهم نائمون، وشتموا المؤسسات الرسمية التي منعت سقوط الدولة بأقذع الألفاظ، ثم انتقلوا الى تخوين المخالف من الشعب، وتعاملوا مع ملايين الجزائريين الذين اقتنعوا بالانتخابات، تعاملهم مع “الكلاب” لا مع البشر، وقد كان “الكاشير” الفاسد عنوانا كبيرا لعقولهم وضمائرهم المتعفنة.

وها قد جاء يوم التمحيص، كنا دائما نقول أن الحراك العظيم الذي انطلق عفويا بروح الشعب المضطهد، قد تم اختراقه، ثم تم اختطافه، وأن هنالك فئة سوف ينبذها الشعب لو ظهرت له عارية من دون “تقية”.. هي التي يجب تعريتها أمام الناس لاتقاء مكرها وخداعها، لكن لم يكن أحد يستمع، حتى جاء يوم الانتخابات الموعود، فبدأ انكشاف الغطاء عن بعض السوءات، وكذلك سيكشفون تباعا.

الأصوات والقوى العاقلة داخل الحراك، بدأت تدرك أنه لا يمكن مواصلة النهج “العدمي”، وعقلية (يتنحاو قاع)، والرفض المطلق لكل شيء دون تقديم بدائل حقيقية، هي اليوم تتحدث انطلاقا من “الواقعية السياسية”، عن “سلطة الأمر الواقع” التي انبثقت عبر الانتخابات، بمعنى حتى وإن كانت لا تقر بشفافية العملية الانتخابية صراحة، إلا أنها تقبل بالرئيس المنتخب كأمر واقع، وبالتالي فإن الحوار بالنسبة لهذه القوى، أمر لا مفر منه، وليس له بديل إلا العدمية والفوضى.

لقد أدركت هذه القوى المعتدلة، أن الأمر قد قضي، وأن الشعب بالفعل قد خرج وانتخب، وأنه حتى وإن كانت هنالك مقاطعة حقيقية، الا أنها لا يمكن أن تسقط من شرعية الرئيس، استنادا إالى مفهوم الديمقراطية ذاته وآلياته المعروفة، وبالتالي لا مناص من التعامل مع الرئيس، من منطق خذ وطالب، وليس من منطلق (كل شيء أو لا شيء).

هذه القوى تحديدا، لم يكن يشكل لها منصب الرئاسة بالأصل إشكالا كبيرا، فقد تجاوزته في أرضية عين البنيان، وظلت تنافح فقط على ذهاب حكومة التزوير، والآليات الانتخابية الشفافة، وهي الأمور التي صارت الآن في المتناول ضمن أي حوار جدي وصريح.

في حين، لا يقبل المتطرفون بذلك أبدا، إنهم يريدون الكعكة كلها، وإلا فإن البكاء هو سلاح الأطفال الصغار عندما تختلط شقاوتهم بأنانية مفرطة، تجعلهم يتخبطون على الأرض على طريقة “فولتي وإلا نبول في الكانون”!

إنهم يرفعون الآن شعارات مضحكة إلى درجة الهبل، كانوا يتحدون قيادة الجيش أن تعتقل السعيد والتوفيق وطرطاق، لكي يعترفوا بها، ولما تم اعتقالهم جميعا، مع كل العصابة راحوا يطالبون قيادة الجيش أن تنحي نفسها بنفسها، حتى يعترفوا بها، والمضحك أنهم اليوم، يخاطبون الرئيس تبون بنفس العقلية المريضة، حتى يعترفوا به!

هؤلاء تحديدا يجب عزلهم من الحراك، بل وعلى الحراك أن يتخلص منهم، لأنهم باتوا الآن يشكلون عبءا ثقيلا عليهم، خاصة وأن معظم هؤلاء المزايدين، وكثير منهم من معارضة الخارج، قد قطعوا خط الرجعة بينهم وبين وطنهم، فلم يعد في متناولهم غير مواصلة انتهاج نفس الطرق الانتحارية.

نعم، على الحراك أن ينظف نفسه، وأن يتخلص من الحثالة التي تشوهه وتبعد الشرفاء عنه، وحينها قد يعود الحراك عظيما كما كان، بهيا كما انطلق، ليستكمل تحقيق باقي أهدافه.

ما عدا ذلك، فإن الحراك مع الأسف، يسير إلى زوال محتوم.

مقالات ذات صلة