الرأي

على جبهة الصراع الفكري.. مع على فضيل إلى الأبد

محمد سليم قلالة
  • 1018
  • 3
ح.م

لقد افتقدنا أحد فرسان جبهة الصراع الفكري في الجزائر، الأخ والصديق علي فضيل رحمه الله.. كان فارسا مغوارا في مواجهة أعداء الإسلام والوطن. لم يكن يُخْفِ مواقفه بل يَصدَح بها عَلنا.. مُعلِنا أنه خادم لكتاب الله تعالى ولوطنه وشعبه.. كُنَّا في خندق واحد، جنودا نُكافح بالقلم تارة والكلمة تارة أخرى للدفاع عن شخصية هذه الأمة وتاريخها العريق وسيادتها الوطنية. تواجهنا المحن والصعاب في مرحلة كانت فيها الجزائر مُحاصَرة في عقر دارها والدين الإسلامي مُتَّهم بالرجعية والتخلف… ومن الأيام الأولى لتخرجه من الجامعة في بداية الثمانينيات تعرض قبل غيره للمضايقات وللاعتقال بسبب آرائه ومواقفه ونشاطه الدؤوب وهو الصحفي الشاب بالقسم الوطني بجريدة “الشعب” اليومية الإخبارية الوطنية الأولى والوحيدة آنذاك بالجزائر، وحوصر في أكثر من موقف وموقع لكي لا يكون كما يريد، لكنه صَمد واحتسب أمره لله تعالى، واستمر في معركته الفكرية يعمل في صمت مُبتكِرا طُرقا شتى للتعبير عن موقفه ولتحقيق الانتصار في معركته الحضارية هذه دون أن يتقمص أي لون حزبي أو سياسي ودون أن يسعى لاقتحام عالم الصراع حول السلطة.

لقد كانت معركته بالأساس فكرية، ثم تحولت بعد سنوات إلى معركة فكرية – إعلامية – حضارية ابتكر لها وسيلة غير معهودة وغير قابلة للانكسار ولا يمكن هزيمتها اسمها “الشروق”.

لم يستطع الأعداء كسرها رغم المناورات، ولم يستطيعوا مواجهتها رغم المحاولات. لقد كانت بالفعل صناعة خاصة من ابتكار شاب عبقري في هذا المجال اسمه “علي فضيل”.. وكان عنوان هذه الصناعة، التي لم يستطع منافسته فيها أحد، هي إخضاع الهزل للجد، وإخضاع الشكل للمضمون، وإخضاع الصورة للمعنى والوسيلة للغاية وجعل كل التقنيات الإعلامية في خدمة وطنه الجزائر.

لم يتمكن من هذا الأسلوب في الإعلام غيره، ولعلنا لن نجد مَن يتمكن منه مثله، ذلك أنه في حاجة إلى عمق فكري وإلى ثقة في النفس كبيرة وإلى قناعات راسخة وإلى شخصية نبتت في أرض طيبة وكانت جذورها ضاربة في عمق هذا الشعب المسلم المجاهد كما كانت عائلة آل فضيل.

وها نحن اليوم نعيش ثمار هذه المنهجية الفعّالة في العمل، وقد تحولت الجريدة إلى قناة، والقناة إلى قنوات، والمُجمَّع إلى مُركَّبٍ ضخم يضم مئات الصحفيين والصحافيات، القادرين على مواصلة المعارك على جبهة الصراع الفكري والإعلامي والانتصار فيها… وتلك هي الغاية التي سخر لها الفقيد علي فضيل حياته.. وسينام قرير العين وهو يراها تتحقق.

وعلينا أن نعده بذلك، بل أن نَعده بأنه علينا أن نُطوِّر وسائله أكثر، للدفاع عن هذا الخط الإعلامي الوطني المدافع عن ثوابت الأمة وأمجادها الخالدة.

أكتب هذه الكلمات اليوم وأنا مُودِّعك في مثواك الأخير، بالأرض التي تحبها، وحررها آباؤك وأجدادك، وأنا أرى هؤلاء الآلاف من مُشيِّعيك يغادرون المكان وهي تدعو لك بالمغفرة والرحمة، وتتذكر كل الأثر الإعلامي الذي تَركته خلفك وتُثني عليه… وأنا أرى ذلك أتأكد أنك قد أديت مهمتك على أحسن وجه وأننا على الدرب سائرون.

مقالات ذات صلة