-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

علي بوناب.. الخيِّرون لا يموتون

علي بوناب.. الخيِّرون لا يموتون
أرشيف

إن أرواح الخيِّرين تسافر خارج الزمن، هذه ليست فلسفة أو سفسطة، إنها الحقيقة التي نطقت بها نصوصُ السنة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم يُنتفع به أو ولد صالح يدعو له”. ليس لحسابات الزمن اعتبارٌ في حياة الخيِّرين الذين لا يعيشون لذواتهم ولإشباع نهمهم من متع الحياة بل يعيشون لدينهم ولإسعاد غيرهم، ونحسب أخانا علي بوناب من هذه الثلة التي نكبر فيها خصال الرجال وقيم الأبطال.

عُرف علي بوناب بفعل الخيرات وإدخال السرور على نفوس كثير من العائلات، فمسيرة الرجل شاهدة على الأثر الطيب الذي تركه وهو يغادر عالمنا إلى العالم الآخر، مسيرة يجمع عليها من يحبونه ومن يبغضونه، هذا إن كان له بين الناس مبغضون. مات علي بوناب فبكاه كلّ من يعرفه، بكوا فيه الكلمة الطيبة واللمسة الحانية والنظرة المشفقة، بكوا فيه الروح المرحة والنفس الهادئة، بكوا فيه قيما افتقدناها في هذا العصر الذي طغى فيه سلطان المادة على سلطان العبادة. مات علي بوناب والموت قدرُ كل حي إذ لو قدر الخلود لأحد لكان لخاتم الأنبياء الذي خيره الله بين الخلود وبين لقاء الله فاختار لقاء الله سبحانه وتعالى، فكان يقول وهو في سكرات الموت” بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى”، وصدق الله إذ يقول: “وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن متّ فهم الخالدون”.

علي بوناب، رجل عاش للذكر والخير والفكر، اجتمعت له هذه الفضائل التي لا تجتمع إلا فيمن أحبهم الله فاستعملهم، فقد جاء في الحديث النبوي: “إن أراد الله بعبد خيرا استعمله، فقيل كيف يستعمله يا رسول الله: قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت”. مات علي بوناب وهو في عز نشاطه الخيري الذي ملك عليه أقطار نفسه، ترجل علي بوناب ورحل ولكن صنيعه  سيثمر ويزهر  فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، ففي الحديث: “من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة”.

ترجَّل الفارسُ وهو يحمل في قلبه آهات المحتاجين وزفرات المرضى والمقعدين. ترجَّل وهو في عز عطائه ولكنه قدر الله الذي لا نملك أمامه إلا أن نقول: “إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقك يا علي لمحزونون”. ترجَّل الرجل بعد عمر قضاه، يطرق أبواب المعدمين ويغيث الملهوفين ويتفقد من تقطعت بهم السبل لما يكابدونه من ضيق الحياة وشظف العيش. ترجّل وقلبه معلق بالمساجد، متيم بحب الله ورسوله وحب المؤمنين. ترجّل وقد أكمل مهمته وبرأ ذمته واستجاب لنداء ربه: “يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون”.

ترجّل بوناب ولما يناقش رسالته فأوصى أن تُطبع وتُجعل وقفا لله تعالى عنه وعن والديه. ترجّل وقد ترك صورة جميلة في أعين من أحبوه من الأطفال الذين فقدوا برحيله معلما ناصحا وأبا حانيا وموجها صادقا، يعلّمهم الفضائل ويجنبهم الرذائل، يربي فيه قيم الإسلام ويحذرهم من سبل الشيطان ومسالك الإجرام، يغذي في نفوسهم القيم الإسلامية والوطنية وينأى بهم عن طريق الغاوين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.

ترجّل الرجل في زمن الجزائر فيه أحوج ما تكون إلى مثله من أصحاب الهمة العالية، الذين يتفانون في خدمة دينهم ووطنهم وإخوانهم. ترجّل وعلى لسان مشيعيه شهادة إجماع بأنه من أهل الخير والصلاح، ترجّل وقوافل الخير تجوب الجزائر من أٌقصاها إلى أقصاها مفندة مزاعم جماعة “إذ انبعث أشقاها” الذين شيطنوا المجتمع وحكموا عليه بالردة وما علموا أن هذه الأمة لا تغير إهابها ولا تتنكر لدينها ولا تتخلى عن هدي نبيها فسيئات بعض اللاهين ستمحوها حسنات العاملين، يقول الله سبحانه وتعالى: “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.

رحم الله أخانا علي بوناب، ودعوانا له بأن يجزيه عن الإسلام والجزائر خير الجزاء وبأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، وبأن يبدله أهلا خيرا من أهله ودارا خيرا من داره، وبأن ينقيه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وبأن يجعل ما عمله نورا له في قبره. اللهم هذا أخونا علي بوناب قد انتقل إلى جوارك فأجره من العذاب واجعله ممن يدخلون الجنة بغير حساب، اللهم احفظ أهله واعصم ذريته من كل سوء واجعلهم خير خلف لخير سلف.

اللهم هذا علي قد استوفى رزقه وأجله فأبدله بعرض الدنيا جنة عرضها السموات والأرض وأسكنه الفردوس الأعلى إنك ولي ذلك والقادر عليه. عزاؤنا في أخينا علي رحمه الله قول الله تعالى: “وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!