عمالة في ثوب “تعاون”
منذ أشهر قليلة، دعا المعارض السوري كمال اللبواني الكيانَ الصهيوني إلى الإطاحة بالنظام السوري عسكرياً مقابل تنازل المعارضة له عن الجولان مكافأة له على إيصالها إلى الحكم.
واليوم يناشد قائدٌ في إحدى كتائب “الجيش السوري الحرّ” الصهاينة أن “يتعاونوا” مع من وصفه بـ“الجهات المعتدلة” في المعارضة المسلحة السورية في حربها ضد النظام وحزب الله، ويعتبر هذه الخيانة “خطوة تاريخية“.
في الماضي، كانت الخيانة والعمالة للصهاينة وصمة عار لا تُمحى من جبين صاحبها، لذلك كان الخونة يتستّرون على جريمتهم ما استطاعوا حتى لا يُكشف أمرُهم، أما في هذا الزمن المتصهْين، فقد أصبحت العمالة للصهاينة “فعلاً محموداً” يدعو إلى الفخر، لذلك ترى صاحبها يتبجّح بها أمام الناس دون أيّ شعور بالخجل أو العار.
الشعب السوري ثار منذ أربع سنوات لوضع حدّ للديكتاتورية والقمع وكبت الأنفاس، وإقامة ديمقراطية حقيقية، وانتزاع حرياته الأساسية، وإرساء العدالة الاجتماعية… ولم يثُر من أجل أن يُوصل إلى الحكم خونةً لا يتورعون عن عرض جزء من وطنهم للبيع للصهاينة مقابل تمكينهم من الحكم، ويسمّون الخيانة “تعاوناً” و“خطوة تاريخية“.
قلنا من قبل إن المعارضة قد أخطأت حينما اختطفت الثورة السورية وحرفتها عن مسارها السلمي وعسْكرَتْها لتسقط في فخّ النظام الذي أراد جرّها إلى هذا المستنقع لشيْطَنتها، ما أفضى في الأخير إلى مقتل ربع مليون سوري وحدوث دمار هائل وتهجير نصف الشعب دون أن تتحقق أهداف الثورة، ولو التزمت المعارضة بديمومة سلمية ثورتها وأصرّت على انتهاج الطريقة الإيرانية في إسقاط الشاه، لكان خيراً لها وللشعب السوري مهما كانت جسامة التضحيات، وهاهي تنحرف الآن مجدداً بجنوحها إلى خيانة بلدها وشعبها باسم “التعاون” مع العدوّ الصهيوني ضد النظام السوري وحلفائه.
لا نختلف في أن بشاراً حاكمٌ استبدادي دموي، أخطأ حينما قابل الثورة السلمية لشعبه في أشهرها الأولى بقمع وحشي، ولكن المعارضة بتصرّفاتها الرعناء وعمالتها للصهاينة، أعادت إليه ألقه، وجعلته يبدو بطلاً وطنياً مُناوئاً للصهاينة والأمريكان.. يقبل بضياع جزء من أراضيه عنوة، ولكنه لا يستسلم للأمر الواقع ولا يعرض بيعه مقابل بقائه في الحكم، ولا يرسل جرحاه للعلاج في “المستشفيات الميدانية” التي نصبّها الصهاينة في فلسطين المحتلة، لتبييض صورتهم التي سوّدتها مجازرُهم في فلسطين طيلة ثلثي قرن.
أبهذه الطريقة البائسة تريد المعارضة “المعتدِلة“ – كما تصف نفسها زوراً– أن يحبّها الشعبُ السوري ويلتفّ حولها في حربها ضد النظام، وهي التي تجهر بعمالتها للصهاينة؟
لقد قدّمت المعارضة للنظام خدماتٍ جليلة بنذالتها وانتهازيتها وخيانتها، وأعادت إليه المصداقية من حيث لا تدري؛ فالنظام الاستبدادي المناوئ لأمريكا والصهاينة، أكثر شعبية من النظام الاستبدادي المنبطح لهما.. الشعوب لا تقبل أن تجتمع عليها مصيبتا الاستبداد والعمالة للعدوّ معاً، وتتّبع المثل الجزائري القائل: “كن سبعا وكلني!” ولكن المعارضة السورية لم تدرك هذه الحقيقة، أو أدركتها ولم تكترث بها لأنّها لا تراهن على نصرة شعبها لها للوصول إلى الحكم، بل تراهن على الوصول إليه على ظهر الدبابات الصهيونية.