-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عملية السلام رهن صرامة أوباما

محمود بلحيمر
  • 4450
  • 0
عملية السلام رهن صرامة أوباما

قدم عباس إلى واشنطن وهو في موقف الرجل الضعيف. ضعيف لأن الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة اليميني بنيامين نتنياهو لا وجود في أجندتها لشيء اسمه دولة فلسطينية مستقلة تعيش إلى جانب إسرائيل، وضعيف لأن الجبهة الداخلية لاتزال رهن انقسام حاد، فغزة التي دمرتها الترسانة الحربية الإسرائيلية قبل خمسة أشهر لاتزال تحت السيطرة المطلقة لحركة حماس التي لا تنسجم مواقفها من عملية السلام مع مواقف عباس. وضعيف أيضا لأن خياراته السياسية أو مقاربته لأجل افتكاك حقوق الفلسطينيين آلت إلى طريق مسدود، فالإحباط تسلل إلى الجميع في ذلك فلسطينيي الضفة.

  • الأمل الوحيد لعباس هو إدارة الرئيس باراك أوباما التي تؤمن بحل الدولتين، والتي جعلت من إحياء العملية السلمية في الشرق الأوسط إحدى أولوياتها. وهذا ما قصده عباس في تصريح نقلته الصحف الأمريكية عندما قال: »إن الأمريكيين هم قادة العالم، فبإمكانهم استعمال نفوذهم مع أي كان في العالم، فقبل سنتين مارسوا نفوذهم علينا، والآن عليهم أن يقولوا للإسرائيليين: عليكم الالتزام بالشروط«.
  • ويريد عباس من واشنطن أن تمارس ضغطها على إسرائيل، سيما في نقطتين أساسيتين وهما أولا: تجميد الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية التي تسعى من خلالها تل أبيب تغيير الحقائق على الأرض، وثانيا: إرغام الحكومة اليمينية بقيادة نتنياهو على الانصياع لحل الدولتين، مثلما هو معترف به من قبل المجموعة الدولية وكما نصت عليه خارطة الطريق التي جرى التفاوض على أساسها منذ 2003.
  • منطقيا، عباس لم يطلب المستحيل، لكن الواقع أن سياسة الائتلاف اليميني الحاكم في إسرائيل تبنى على نقيض المطلبين. وعليه، ليس أمام مسؤول السلطة الفلسطينية سوى مزيد من الانتظار لما يمكن أن يفرزه الضغط الأمريكي المرتقب على إسرائيل، من حيث قبول حل الدولتين وتجميد بناء المستوطنات. وترك عباس الانطباع أنه لن يستأنف المفاوضات إذا ما لم يتحقق ذلك، ولا مجال لتنازلات جديدة يمكن أن يقدمها للجانب الإسرائيلي، مثل الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل التي تعني التخلي عن مطلب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
  • وفي هذه الشأن، كانت هناك إشارات واضحة من واشنطن بشأن المسألتين، ربما مريحة بعض الشيء للرئيس عباس، فأوباما جدد موقفه بدعم حل الدولتين الحل الذي قال “إن إسرائيل ستدرك أنه يصب في مصلحة أمنها”، وقال أنه سيستمر في الضغط على نتنياهو لفرض تجميد كامل على بناء المستوطنات بالضفة. هكذا يريد أوباما الأشياء أن تكون في إطار مقاربته حول السلام في الشرق الأوسط وتوجهه الجديد نحو العالم الإسلامي والتي سيكشف عنه خلال جولته هذا الأسبوع في خطابه المرتقب للعالم الإسلامي من الجامعة الأمريكية في القاهرة. 
  • ويبدو أن أوباما بحاجة إلى إبراز جديته في التعامل مع “تطرف حليفته إسرائيل” لإنجاح سياسة التقارب الجديدة مع العالم الإسلامي ولضمان الانخراط التام لحلفاء “محور الاعتدال” في سياسة عزل إيران وحزب الله وحماس، واحتواء الصورة المشينة التي لصقت بأمريكا بعد الحرب على العراق وانتهاكات حقوق الإنسان في أبو غريب وفضائح التعذيب في المعتقلات منها غوانتنامو أساسا.
  • واضح أن نظرتي إدارة أوباما والحكومة الإسرائيلية متباعدتين على الصعيد الفلسطيني سيما في مسألتي المستوطنات والإقرار بحل الدولتين، ومن جانب ثاني أن نتنياهو غير مطمئن للمقاربة الأمريكية تجاه إيران بعزم أوباما على إجراء حوار مع إيران بشأن ملفها النووي. مما يعني أن العلاقة بين الحليفين الطبيعيين ستكون “مضطربة” بعض الشيء، مثلما حصل في عهد كلينتون، ومن الصعب التكهن بالصيغة التي سيتعامل بها أوباما مع قادة تل أبيب للمضي في مخططه للسلام في الشرق الأوسط والبرهنة على صدق خطابة بتحقيق الملموس في الميدان. ما هو واضح أن الساسة في واشنطن يدعمون مطلقا إسرائيل، وهذا ليس جديدا، لكن الخيارات التي جاء بها نتنياهو لا تحظى الإجماع، وهناك أطراف تعتقد أنه من مصلحة الولايات المتحدة ألا تنساق وراء المواقف والسياسات الإسرائيلية.
  • مثل هذا الموقف كان قد عبر عنه أرون ديفد ميلر، وهو مستشار سابق لعدة إدارات حول ملف الفلسطيني الإسرائيلي، في مقال كتبه في مجلة “نيوزويك” في ديسمبر الماضي، حيث دعى أوباما إلى “التحلي بالقسوة تجاه إسرائيل إذا ما كان جادا في تحقيق السلام في الشرق الأوسط” كما دعا إلى “التوازن الصحيح في علاقات أميركا مع إسرائيل بالتعامل مع السلوك الإسرائيلي على الأرض والحفاظ على المرونة التكتيكية والاستقلالية في لعب دور الوسيط”.
  • إلى ذلك، ما يمكن تسجيله لأول مرة هو الموقف الأمريكي العلني من قضية المستوطنات والذي عبرت عنه هيلاري كلينتون قبل أسبوع عندما طالبت تل أبيب بالتوقف عن توسيع المستوطنات بدون استثناء، وقالت أن أوباما كان “واضحا للغاية” عندما أكد لنتنياهو أنه يريد أن يرى وقفا للمستوطنات.
  • لكن المعطيات الحالية تؤشر على أن عجلة السلم ستبقى متعثرة لشساعة البون بين مطالب وحقوق الفلسطينيين من جهة ونوايا نتنياهو في الجهة المقابلة، علما أن هذا الأخير يظل أسيرا للائتلاف الذي يحكم باسمه وأي تغيير في أجندته يعني انهيار الحكومة، وربما انتظار حكومة جديدة بتوجهات قريبة من متطلبات مسار العملية السلمية.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!