الرأي

عناوين مختصرة لبرنامج رئاسي ليس له مرشح

حبيب راشدين
  • 1629
  • 5
ح.م

الآن وقد أنفق المتنافسون على الرئاسة نصف عمر الحملة، يفترض أن يكون قد وصل الناخب نصف ما حضرته طواقمهم لإقناع القلة ممن كلفوا أنفسهم مؤونة حضور التجمُّعات الشعبية المحتشمة، وثلة من المتعودة على المشاركة في المسارات الانتخابية المعوقة منذ تسعينيات القرن الماضي بخطاب سياسي متخشب، قاصر، مستنسخ، لا يرقب للعقل السوي إِلاّ ولا ذمة.

بين السقف العالي لبعض مطالب الحَراك بتوليد “جمهورية جديدة” عبر مسار انتقالي ينفتح على التأسيس لدستور جديد، وما أبداه النظام القائم من استعداد لإحداث تغيير متحكم فيه، متدرِّج قابل للإدارة، كان يُنتظر من المتنافسين في هذا الاستحقاق النزول ببرامجهم ووعودهم بين المنزلتين، وعرض برامج حكم إصلاحية في السياسة قبل الاقتصاد، وفي الاقتصاد قبل التسويق لمعالجة بقيَّة هموم وانشغالات المواطن في حياته اليومية على طريقة ما يطلبه المستمعون.

على المستوى السياسي، كنا بحاجة إلى عروض تستكشف آفاق وسبل إعادة بناء مؤسسات الدولة، وتطبيب ما أصابها من ضعف وهشاشة، تمرّ حتما عبر تعديل واسع للدستور، وتفتح المجال لقيام نخبة سياسية مسؤولة، تؤمن بالديمقراطية، وتمارسها ابتداءً على مستوى مؤسَّسات الكيانات الحزبية، قبل أن نأتمنها على التداول الديمقراطي السلمي على السلطة، بل كان يُفترض أن نغتنم الفرصة لتفكيك مضامين المادتين 7 و8 من الدستور، والبحث في الصيغ الممكنة لبناء سلطة تأسيسية دائمة مهيمنة على السلط التمثيلية والتنفيذية والقضائية، تمنع قيام أزمة كتلك التي كادت تعصف باستقرار وأمن البلد مطلع هذه السنة، وتطمئن المواطن على فرص إلزام وكلائه بالوفاء بوعودهم الانتخابية دون الحاجة إلى مشاغبتهم بالشارع.

وعلى المستوى الاقتصادي، لم يكن البلد بحاجة إلى وصفات تقنوقراطية لتحريك عجلة التنمية، بقدر ما يحتاج إلى تحديد وجهة معلومة لتحريكه وفق ما تحت اليد من مقدرات بشرية ومادية، ومن فرص للتنافس رغم إكراهات التقسيم العالمي الجائر المجحف للعمل، إذ ليس واردا أن ندخل في منافسة ذات شأن في الإنتاج الصناعي مع هيمنة الورشات الآسيوية، أو في الابتكار التكنولوجي والتنافس بجدارة في أسواق الاقتصاد الرقمي الناشئ، ولا نمتلك ثقافة الاسترزاق بالسياحة حتى مع وجود مقوِّماتها، وخبراتنا تكاد تكون معدومة في حقل الخدمات والصيرفة، بما يحيلنا إلى البحث الجاد عن قاطرة بديلة لبناء تنمية مستدامة، واقتصاد واعد وفق ما نملك من موارد مادية وبشرية.

قبل عشر سنوات، وفي عزِّ الطفرة النفطية، وتراكم أكثر من مائتي مليار دولار من عوائدها المالية، لفتت الانتباه في أكثر من مقال إلى أن مستقبل التنمية المستدامة في البلد يحتاج إلى تسخير ما توفر له من مقدرات مالية لبناء اقتصاد تقطره ثلاثة قطاعات إنتاجية متناغمة متضامنة: قطاع الطاقات البديلة، على رأسها الطاقة الشمسية التي لا تحتاج إلى تكنولوجيات عالية، ولها سوق متنامية في الداخل وفي الخارج، وقطاع الزراعة البكر مع توفر مساحات شاسعة من أجود التربة التي صنعت رفاهية كاليفورنيا واسبانيا، ولنا منها حصة الأسد، إلى جانب ما يوفره مستودع المياه الجوفية العظيم بالصحراء الكبرى من حلول آنية لشح مياه الري، وبوسع أي خبير اقتصادي أن يعدِّد لكم أنواع وحجم الصناعات المرافقة لهذه القطاعات، ناهيك عن الأنشطة الخدمية المتعددة التي ترافقها من المنبع إلى المصبّ، وفرص التنافس بها في جميع الأسواق العالمية كيفما كانت أحوال الاقتصاد العالمي.

ها هنا عنوانان كبيران في السياسة والاقتصاد لبرنامج رئاسي واعد، محفز، باعث للأمل، كنا سندين به للرئيس القادم في الحد الأدنى بوضع لبناته الأولى، عبر سلسلة من الإصلاحات في مؤسسات الحكم، طلبا للاستقرار والحاجة إلى نقل التنافس والاختلاف إلى فضاءات مؤمَّنة من الشغب والقلاقل، تسبق وتمهِّد لاعتماد نموذجٍ اقتصادي بديل، يوازن بالضرورة بين الاستجابة في الحدود الدنيا لمطالب وحاجيات مشروعة لا تقبل التسويف، وبين ما ينبغي أن يُخصص من جهد ومن موارد مادية وبشرية، ومن مراجعات شجاعة في مناهج التعليم والتكوين والتسيير، وصناعة الكوادر، وتحرير المبادرات لقيادة وتنشيط اقتصاد متوازن مستدام، تقوده قاطرة غير مهدَّدة بالعطب والتعطيل.

مقالات ذات صلة