الرأي

عندما يصبح الدّفاع عن الحجاب جريمة!

سلطان بركاني
  • 1662
  • 10
ح.م

غرائب هذا الزّمان الذي انقلبت فيه الموازين، جمّة، ولعلّ من أغرب غرائبه أن يصبح الدّفاع عن الحجاب وإنكار التبرّج، في بعض بلاد المسلمين، خطيئة يَستنفر إعلام حمّالة الحطب قنواته وصحفه لشجبها، وتنتخي بعض الهيئات الرسميّة لتستدعي المجرم(!) لمساءلته واستجوابه، ولِم لا التّحقيق معه وإجباره على الاعتذار إلى النّساء اللاتي غلبتهنّ العبودية للمظاهر والأذواق عن التزام الأمر الإلهيّ بارتدائه، بل وإلى أولئك اللائي يرين في الحجاب عنوانا للتخلف والرجعية، وطقسا ولّى زمانه وانتهى!

بإزاء لفيف من النّساء المحسوبات على قطار الحضارة والتقدّم! اللاتي يقدّمُهنّ الإعلام على أنهنّ النّاطقات الحصريات باسم نساء الوطن العربيّ والإسلاميّ، ممّن أشربن في قلوبهنّ بغض الدّين وشرائعه وشعائره، فإنّ هناك كثيرا من النّساء المسلمات اللاتي لا يرتدين الحجاب، لكنّهنّ في قرارات أنفسهنّ يحببنه ويعترفن بأنّه فريضة شرعية يتمنّين لو يوفّقن لامتثالها؛ الواحدة منهنّ تبكي في داخلها وتتمنّى أن يأتي اليوم الذي تنتصر فيه على نفسها وعلى محيطها وتضع الحجاب تاجا على رأسها، تعلن من خلاله أنّها ممتثلة أمر ربّها راغبة في رضوانه، وأنّها تعيش في هذه الحياة بفكرها وعلمها وعملها وليس ببدنها، وترفض أن يتحوّل هذا البدن إلى سلعة تُزيّن وتكسى بما يلبّي أذواق النّاس من حولها، وهؤلاء المسلمات، لا شكّ في أنهنّ مقصّرات في حقّ فرض من فرائض الدّين، لكنّهنّ لا يجوز أبدا أن يقرنّ أو يقارنّ بالصّنف الأوّل من النّساء..

ولعلّ ضمن هذا الصّنف من النّساء المسلمات المعترفات بتقصيرهنّ في التزام الأمر الإلهيّ بلبس الحجاب، نجد الإعلامية المصرية التي أثارت كلماتها عن الحجاب والمحجّبات في الأيام القليلة الماضية لغطا كبيرا في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، حين دافعت عن الحجاب والمحجّبات، رغم عدم التزامها بلبسه، ونصحت المحجّبات بالثّبات على ارتدائه وعدم التفكير أبدا في خلعه خضوعا للأذواق وآراء الصّديقات والقريبات، وقالت إن المحجّبة أفضل منها ومن مثيلاتها من المتبرّجات مائة ألف مرّة.

رغم أنّ كلام هذه الإعلامية في مجمله صحيح، إلاّ أنّ مرضى النّفوس حملوه محامل أخرى وزعموا أنّه يتضمّن انتقاصا من قدر النّساء غير المقتنعات بالحجاب! ودعوا إلى إحالة الإعلامية “المتبرّجة” على المساءلة، بل وزعم بعضهم(نّ) أنّ وصف غير المحجّبات بالمتبرّجات يعدّ إساءة لهنّ، على الرّغم من أنّ الله سبحانه وصف به النّساء اللاتي يبدين شيئا من زينتهنّ للأجانب.. هذه النّغمة هي النّغمة الوحيدة التي سمعها الإعلام وأشاعها على أنّها تنطق باسم كلّ النّساء.. وكيف لا يشيع إعلام حمّالة الحطب هذه النّغمة، وهو الذي عهدناه يَضيق ذرعا بكلّ موقف أو كلام يحوم حول الدّين إلا أن يكون انتقاصا أو استهزاءً بشعائره أو إنكارا لقطعياته أو تشكيكا في مسلّماته أو شذوذا خارجا عن الإجماع؛ عندها يفتح الإعلام أبوابه ويحشد ميكروفوناته ويركّز كاميراته، ويرفع الطّاعنَ أو المنتقص إلى العلياء ويغدق عليه بألمع الألقاب! فكم حفلت استديوهات هذا الإعلام بالطّاعنين في الخالق سبحانه والمستهزئين بالسنّة والمنكرين لقطعيات الدين، وكم كان سمحا معهم! لكنّ سماحته هذه تختفي فجأة عندما يتعلّق الأمر بصوت حقّ ينصر الدّين وأهله!

أخيرا لعلّنا نعود أدراجنا لنعترف أنّ إحالة مسلمة –غير محجّبة- على التحقيق، في بلد مسلم، لأنّها دافعت عن الحجاب وأنصفت المحجّبات، لم يعد أمرا غريبا، بالنّظر إلى الواقع الذي وصلنا إليه في السّنوات الأخيرة، حيث غدا كثير من الدّعاة يتوجّسون خيفة من الحديث عن الحجاب والتبرّج في وسائل الإعلام، خشية أن لا تعجب كلماتهم أهواءً لا يعجبها من الدّين إلا قول الله تعالى: ((لا إكراه في الدّين))، بل إنّ من الدّعاة والكتاب من جبنوا عن الحديث عن التبرّج على قنواتهم وصفحاتهم الخاصّة، حتى لا يتراجع عدد المتابعين لمنشوراتهم وحتى لا تتناقص أعداد الإعجابات والمشاركات! ويبقى الأمل في الله أولا، ثمّ في البقية الباقية من العلماء والدّعاة الصّادحين بالحقّ، وفي عموم المسلمين الذين مهما كان تقصيرهم في بعض جوانب دينهم إلا أنّهم لا يتخلّفون عن نصرة قضاياه ونصرة العاملين له، ولو بالكلمات، ويكفي في واقعة الإعلامية المدافعة عن الحجاب أنّ آلافا مؤلّفة من المدوّنين عبّروا عن تضامنهم معها وأطلقوا هاشتاقا لدعمها.

مقالات ذات صلة