-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عندما يموت أطفال غزّة بردا وجوعا!

سلطان بركاني
  • 534
  • 0
عندما يموت أطفال غزّة بردا وجوعا!

عشنا بقلوبنا في الأيام الماضية تلك المأساة التي كابدها إخواننا المستضعفون في غزّة مع البرد القارس في خيم الإيواء.. أطفال أبرياء ناموا في الماء والطّين داخل الخيام التي لم تمنع عنهم البرد ولا المطر، وأصبحوا جثثا هامدة، قد فاضت أرواحهم إلى بارئها لتشكو إليه ما فعله بهم هذا العالم الظّالم وهم الذين لم يكسبوا إثما ولم يقترفوا جريرة ممّا تصنّفه مواثيق هذا العالم جرما!

أحد الأفاضل هناك في قطاع العزّة والبلاء، كتب قبل ثلاث ليال يقول: “هذه الليلة هي أبرد ليلة تمر على أهل غزة منذ بداية الشتاء. الأطفال يتجمدون وهم تحت اللحاف… لقد تجمدت أطرافنا نحن الكبار من شدة البرد، فما بالكم بالأطفال الصغار حين ينهش البرد أجسادهم الضعيفة في تلك الخيام البالية، كيف يكون حالهم… بالكاد يجد الناس في غزة خرقا يسترون بها أجساد أطفالهم الرقيقة في هذه الأجواء العاصفة، فما بالكم حين تهجم مياه الأمطار على خيامهم، فتغرق فرشهم وأغطيتهم وتبلل ملابسهم. ولكم أن تتخيلوا كيف سيقضي هؤلاء المكلومين ليلتهم الطويلة!”.

أطفال غزّة، خذلهم مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة، وليس غريبا على هذه وذاك أن يخذلوا أطفال أمّة يريدون لها أن تندثر، لكنّ الغريب أن يخذلهم المسلمون.. أطفال في سنّ الدراسة ما عادوا يفكرون في اللّعب ولا حتّى في الدراسة، يقفون لساعات متوالية في طوابير طويلة لعلّهم يظفرون بحساء يسكت أنين بطونهم ويكفكف دموع عيونهم لبعض الساعات.. أطفال يقفون عند المعابر يستغيثون حراس المعابر ليمنّوا عليهم ببعض الطعام. لكن من دون جدوى!

مدير عمليات الطوارئ في منظمة الصحة العالمية قال إن سكان القطاع يموتون من الجوع بسبب القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية.. بل قد قال بعض المسؤولين إنّ غزّة مقبلة على مجاعة! أهلنا في غزّة ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وهم يبكون ليل نهار ويجأرون إلى الله أن يكشف كربهم ويوقف عنهم هذه الحرب. وحينما سمعوا ببوادر هدنة تلوح في الأفق أخذوا يكبّرون ويهلّلون فرحا، لأنّ كربهم فوق أن تحتمله قلوب وأجساد أطفالهم!

هذه حال المستضعفين في غزّة.. فماذا يفعل المسلمون في أرض الله الواسعة؟ بعض المسلمين منشغل بكأس آسيا للأمم، من سيكون الفائز بها؟ وبعضهم منشغل بكأس أفريقيا من سيكون بطلها هذه المرّة؟

والأشدّ ألما من هذا أنّ بعض المنتسبين إلى الإسلام والمحسوبين على المسلمين يحاصرون أهل غزّة تزلفا إلى الصهاينة حتّى يرضوا عنهم ويثنوا عليه ويذكروهم بخير عند أمريكا. وهؤلاء ما طرق مسامعهم أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حدّث أمّته عن امرأة دخلت النّار في هرّة حبستها؛ فكيف بمن يحبس مليون ونصف المليون مسلم، حتّى يموت بعض أطفالهم بالبرد والجوع، وحتّى يموت بعض الآخر من الألم لأنّهم اضطروا إلى إجراء عمليات جراحية من دون تخدير؟!

أمّا أكابر مترفيها في بعض بلاد المسلمين، فإنّ لهم لشأنا آخر؛ شغلتهم مهرجانات الرقص والغناء وحفلات تكريم المغنين والممثلين الذين قضوا عقودا من أعمارهم في إفساد شباب الأمّة، حتى وصل الأمر إلى أن تتحدّث مغنية نصرانية متهتكة عن إعجابها وفخرها بهذا الانفتاح الذي رأته في بعض بلاد المسلمين!

عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- صحابيّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- رأى ‌رجلا ‌يضحك ‌في ‌جنازة فقال: “أتضحك وأنت تتبع جنازة، والله لا أكلمك أبدا”. ومثله أبو الدّرداء -رضي الله عنه- نظر إلى رجل يضحك في جنازة فقال: “أما كان فيما رأيت من هول الميت ما شغلك عن الضحك”، ومثله الحسن البصريّ -رحمه الله- رأى رجلا يحدث صاحبه ويتبسم إليه في جنازة، فقال: “يا سبحان الله أما كان في الذي بين يدك مشتغل عن التبسم!”. هذا فيمن يضحك في جنازة واحدة لميّت مات ميتة طبيعية؛ كيف بمن يضحك وهو يسمع عن عشرات الآلاف من الجنائز التي مات أصحابها قصفا وقنصا وجوعا وبردا؟!

ما يقطّع القلوب حسرة وألما أنّ إخواننا في غزة، على الرّغم ممّا هم فيه من كرب شديد، فإنّهم لم ينسوا إخوانهم المسلمين المبتلين في بلاد أخرى. يقول أحد الأفاضل من قطاع غزّة: “أول ما توفر عندي اتصال انترنت في غزة سارعت للبحث عن أخبار سوريا والسودان وأخبار المسلمين في كل مكان، فقد كنت منقطعاً عنها مدة طويلة. لم يشغلنا مصابنا رغم شدته وقسوته عن مصاب إخواننا، فنحن جسد واحد، وما يؤلمهم يؤلمنا، وما يحرنهم يحزننا، وأوجاعهم تزيد أوجاعنا وجعاً. هذه ليست مثالية ولا مبالغة زائفة، فهذا أقل حقوق المسلم على أخيه المسلم، أن يتابع أخباره وينصره بما يقدر وبما يستطيع، حتى ولو بقلبه ومشاعره وذلك أضعف الإيمان، فمن لا يهتم لأمر المسلمين فليس منهم”.

سبحان الله! مع ما هم فيه من بلاء شديد، لم ينسوا إخوانهم في السودان وسوريا؛ فكيف تطيب نفوسنا نحن أن ننساهم، وننشغل عن مأساتهم بأخبار كرة القدم، وبالمناكفات مع هذا البلد أو ذاك؟!

أهل غزّة رغم كلّ الجراح، لا يزالون يحملون في قلوبهم كلّ المحبّة لإخوانهم في هذا العالم.. ورغم الجراح فإنّهم لا يزالون يقدّمون لإخوانهم المسلمين أعظم الدّروس في الصّبر والمصابرة، وفي الرضا عن الله فيما اختاره لهم.. فهم لا يستكثرون أن يقدّموا أموالهم وأبناءهم ودماءهم وأنفسهم فداء لدينهم ولقبلة المسلمين الأولى.. لا يستكثرون شيئا ممّا يملكون في هذه الدّنيا أن يبذلوه لأجل أن تستيقظ أمّتهم ويدرك إخوانهم المسلمون أنّه لن تكون لهم قيمة في هذه الدّنيا إلا إذا كان الموت في سبيل الله أحبّ إليهم من الحياة، ولن يخرجوا من درك الذلّ الذي هم فيه حتى يُخرجوا الدّنيا من قلوبهم ويضعوها في أيديهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!