-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عن الآثار الاقتصادية للدبلوماسية الرياضية

د. عمر هارون
  • 722
  • 0
عن الآثار الاقتصادية للدبلوماسية الرياضية

إلى وقت قريب كان الاستمتاع بلقاء في كرة القدم بأي دوري في العالم أو أي بطولة قارية وحتى عالمية، عملية بسيطة لا تتطلب أكثر  من الجلوس بجانب جهاز التلفزيون الخاص بك، لكن الأمر تحوّل مؤخرا إلى عملية تحتاج إلى دفع حقوق اشتراك بالملايين الدولارات حتى أصبحت العديد من الدول لا تستطيع نقل أحداث رياضية تشارك فيها فرقها المحلية أو الوطنية، هذه النقلة التي حوّلت الرياضية من متعة الفقراء إلى مصدر لزيادة ثروة الأغنياء يمر بتحول الرياضة -وخاصة كرة القدم- من نشاط بدني بحت إلى جزء من صناعة الترفيه العالمية والتي تكسب من ورائها الشركات الكبرى أضعاف ما تكسبه دول وحكومات،

-فيكفي أن نقول فقط أن فيلما يكلف 200 مليون دولار  مثلا يمكن أن تصل مداخيله إلى 9 مليار دولار- ومنه أصبحت البطولات العالمية مصدر ا مهما واستثنائيا لجمع الأموال نظرا لحجم البشر  الذين يتابعونها باهتمام وشغف، ومثلا حسب التقديرات  فنهائي كأس العالم قطر 2022 تابعه نحو 4 مليار نسمة على مختلف الوسائط.

لا يمكن أن نقول إن الدبلوماسية الرياضية أداة جديدة أو مستحدثة لأن اليونانيين كان يستخدمون الألعاب الاولمبية في إطار العمل لإظهار  قوتهم وسيطرتهم والعمل على التقارب مع من يرغبون ويرهبون من يريدون، لكن الجديد في العصر الجديد أن الرياضة أصبحت تستخدم لهندسة الشعوب وتطويعها إن لزم الأمر، والدليل أن وزارة الخارجية الأمريكية أنشأت بعد أحداث  11 سبتمبر 2001 قسما للدبلوماسية الرياضية بهدف الوصول إلى الشباب والتأثير عليهم، ولعل ما ذكرت مجرد مثال لما يمكن القيام به من خلال الدبلوماسية الرياضية، والكل تابع كيف أبهرت قطر  خلال مونديال 2022 العالم حضاريا وقدّمت صورة جمعت فيها بين التشبُّث بأصول الدين الحنيف والعصرنة، وكيف حاول الألمان خلق صدام حضاري من خلال محاولة فرض الشذوذ بمختلف الطرق من خلال عديد الأشكال، نفس المونديال شهد توشُّح ميسي بالبشت القطري وهو يرفع كأس العالم، ولا أظن أن لاعبا آخر كان سيقبل هذا الأمر، لكن العلاقة التي تطورت بينه وبين القطريين كمُلّاك لناديه الذي يلعب فيه جعلته يكون سفير ا للتعايش السلمي بين الحضارات.
نجاح هذه الحالة جعل المسؤوليين في السعودية يفكرون في محاكاتها مع كريستيانو رونالدو بالتعاقد معه في الدوري السعودي وليكون سفير ترشح المملكة ودول أخرى في ملف مشترك لنيل شرف احتضان كأس العالم مستقبلا.

إن الأحداث الرياضية تؤثر بشكل مباشر على صورة البلد لدى الأجانب خاصة بالنسبة للدول التي تتعرض لحملات تشويه، فعددُ الصحفيين الدوليين الذين يحضرون مثل هذه الأحداث عادة ما يكون كبيرا، ودورهم سيكون تسليط الضوء على كل كبيرة وصغيرة داخل البلد، وهو ما يجعل نجاح الدولة في تنظيم الحدث الرياضي جوازَها لتتحول إلى أيقونة إقليمية أو عالمية، وتستطيع ببساطة أن تخطف عديد الفرص الاستثمارية والسياحية وذلك وفق نظرة البلد إلى كيفية استغلال نجاح الحدث.

وفي هذه اللحظة سيقول البعض إن ما قامت به هذه الدول نوع من إهدار المال، ولكن الحقيقة أن هذا النوع من التعاقدات سواء تعلق الأمر بميسي أو رونالدو ومن شابههما هي عملية استثمارية عادة ما يكون فيها النادي أو الدولة الرابح الأكبر نظرا للشعبية الجارفة التي يتمتع بها هؤلاء اللاعبون الذين عادة ما يتم تغطية تكلفة عقودهم من أرباح بيع أقمصتهم والسلع التذكارية التي تحمل أسماءهم ( سعر قميص اللاعبين الكبار يتراوح عادة بين 100 و150 يورو،  لكن في حالة النجوم، فإن الأرباح لا ترتبط فقط بما يبيع هؤلاء من منتجات باسمهم، فالعالم ينتظر أين يأكلون وأين يشربون وماذا يلبسون وأين يسيرون، كل هذه النقاط ستتحول إلى مزارات سياحية وستمنح الدولة سمعة عالمية على منظومتها الأمنية والاستثمارية وحتى التعليمية، ولكم أن تتخيلوا كما سيفتح هذا الأمر للدول من الفرص وكم سيدر عليها من أموال واستثمارات.

الإجابة المباشرة ستكون طبعا وقطعا نعم، إن للأحداث الرياضية المنظمة في دولة آثار اقتصادية مباشرة، ويمكن أن نعدّد هذه الآثار والقطاعات التي يمكن أن تتأثر بشكل أو بآخر من خلال تنظيم الأحداث الرياضية، إن الأحداث الرياضية تؤثر بشكل مباشر على صورة البلد لدى الأجانب خاصة بالنسبة للدول التي تتعرض لحملات تشويه، فعددُ الصحفيين الدوليين الذين يحضرون مثل هذه الأحداث عادة ما يكون كبيرا، ودورهم سيكون تسليط الضوء على كل كبيرة وصغيرة داخل البلد، وهو ما يجعل نجاح الدولة في تنظيم الحدث الرياضي جوازَها لتتحول إلى أيقونة إقليمية أو عالمية، وتستطيع ببساطة أن تخطف عديد الفرص الاستثمارية والسياحية وذلك وفق نظرة البلد إلى كيفية استغلال نجاح الحدث؛ فهتلر حاول كسب الشرعية الداخلية والخارجية من خلال أولمبياد برلين 1936، وهو نفس الأمر الذي قام به بوتين في مونديال 2018 أي قدّم للعالم وجها مغايرا لروسيا، ولم يكلفه الأمر أكثر من 12 مليار دولار ، ولعل أهم القطاعات التي تتأثر في مثل هذه الأحداث، عوائد البث التلفزيون والتي عادة ما تكون من أهم العوائد التي يمكن أن تدرّ دخلا على منظمي كأس العالم إذ بيعت حقوق بث كأس العالم روسيا 2018 بـ4.6 مليار دولار ، في حين بيعت حقوق كأس العالم قطر 2022 بزيادة 200 مليون دولار . كما أن الرعاية الإعلانية  من خلال عقود مع كبريات الشركات العالمية تعتبر واحدا من أهم مصادر الدخل للبطولات العالمية، خاصة أن التكنولوجيا الحديثة تمكّن الشركات من اختيار الدولة التي تبثّ فيها رعايتها وهو ما يمكن “فيفا” من التعامل مع المؤسسات بشكل منفصل وفق التقنيات الحديثة للوحات الإعلانية التي يمكن برمجتها وفق حاجة المعلن، وهو ما يجعل عوائد الرعاية الإعلانية تصل إلى حدود 2 مليار دولار  في آخر مونديالين، خاصة بعد دخول المؤسسات التي تعمل على وسائط التواصل الاجتماعي.

وهنا قد يسأل العديد من المواطنين العاديين: ما هي الأرباح التي يمكن أن تجنيها الجزائر من تنظيم أحداث رياضية إقليمية على غرار ألعاب البحر المتوسط وكأس الأمم الإفريقية للمحليين؟ والإجابة  يمكن أن تكون على عديد المستويات، ولعل أهم مستوى الذي أكده رئيس الجمهورية وهو يفتتح ملعب نيلسون مانديلا حين قال “إننا نبني الملاعب لتطوير مستوى شبابنا”، وهو دليلٌ على أن أولوية الجزائر هي الشباب الذي يمثل 72 بالمئة من سكان البلد، أم على الصعيد الثاني فهو صورة الجزائر التي تعرضت وتتعرض لحملات شعواء لتشويه حقيقة ما تعيشه من تطور وازدهار خاصة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، والديناميكية التي تعيشها من خلال الرؤية المتكاملة التي تطبَّق والتي انعكست على مستوى البنى التحتية، وفقرت المرافقة من ملاعب فنادق وطرقات، والأهم من هذا كله توافق الشعب مع القيادة في إنجاح هذه الأحداث بالحضور القوي والفعال خلال مختلف أطوار الأحداث، ولا أظن أن شعبا سيتوجّه للترفيه إن لم يكن قد وجد حياة كريمة، إن نجاح الجزائر في استضافة هذه الأحداث هو ترويجٌ للجزائر كمكان قادر على استضافة استثمارات كبرى، فالشعب مسالم والسلطة قادرة على التنظيم والموارد الطبيعية المادية والبشرية متوفرة وحتى القدرات المالية موجودة، وهو ما يعني أن الأحداث الرياضية اليوم أصبحت قادرة على أن تكون مفتاحا لانفتاح البلد على فرص قد يحتاج إلى سنوات من العمل للوصول إليها.

إن الوصول إلى جعل الأحداث الرياضية أرضية لتحقيق آثار اقتصادية متوسطة وبعيدة الأمد يمر  بقدرة البلد المنظم على استغلال هذه الفرصة من خلال خطة محكمة الأبعاد تعمل على الهامش للترويج وتحفيز  الآخر على أن يؤمن بما نريد كما نريد واعتباره حقيقة لا مناص منها – مهما كان ما نريد يبدو مستحيلا-  ونحن في الجزائر حققنا الكثير مما يجب أن يحقق في ألعاب البحث المتوسط وها هي التجربة تتكرر في “الشان” وسنحقق ما تبقى في الفرص القادمة بحول الله، ولمَ لا نجعل كأس إفريقيا 2025 التي ترشّحنا لتنظيمها وسيلتنا ليؤمن الآخر بما نريد كما نريد اقتصاديا؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!