-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عن جريمة وخزِ أطفالنا بالإبر؟!

حسين لقرع
  • 1177
  • 0
عن جريمة وخزِ أطفالنا بالإبر؟!

بدأت “حملاتُ” الوخز بالإبر التي تعرّض لها العديد من التلاميذ أمام مدارسهم في شتى أنحاء الوطن، تتراجع في الأيام الأخيرة بفعل تنامي حسّ اليقظة لدى الأولياء والمواطنين وقوات الأمن. ومن ثمة، فقد تراجع حجمُ الرعب والقلق الذي سيطر على القلوب منذ دخول شهر شعبان المبارَك.

ومع ذلك، ينبغي أن تستمرّ اليقظة حتى يمرّ الشهرُ كلُّه، ويعود شياطين الإنس إلى جحورهم إذا كان الأمرُ يتعلّق فعلا بممارسات تتعلّق بالشعوذة و”تجديد السحر”، كما سمعنا مرارا، وهي مسألة لا يمكن التأكّدُ منها إلا بعد انتهاء التحقيقات الأمنية مع النساء المقبوض عليهن متلبّسات بوخز التلاميذ بالإبر.

وإذا تأكّد أنّ دافعهنّ الوحيد هو الشعوذة بغرض “تجديد السحر” قبل حلول رمضان المبارك وتصفيد شياطين الجنّ، حسب التفسيرات المتداوَلة إلى حدّ الساعة، فإنّ هذا يعني بروز ظاهرة جديدة غير مسبوقة تشكّل “تطوّرا” سلبيا جديدا في عالم الشعوذة والخرافات، وهذا أمرٌ مخجل لا نجده في أوروبا والغرب برمّته، إذ يتنافس القوم هناك على آخر اختراعات الذكاء الاصطناعي إلى درجة ابتكار روبوت يعمل “مستشارا سياسيا” لدى الحكومة الرومانية؛ إذ يغربل لها رسائل المواطنين وينقل انشغالاتهم إلى السلطات للاطّلاع عليها ورؤية ما يمكنها فعلُه لتلبيتها، في حين تستشري مثل هذه المناكر عندنا وتُحوّل حياة أطفالنا وعائلاتهم إلى جحيم.

منذ سنوات، تداولت وسائلُ الإعلام العربية إحصائيةً تقول إنّ العرب ينفقون نحو 5 ملايير دولار سنويا على الشعوذة. ورغم تعذّر التأكّد من مدى دقّة هذا الرقم، إلا أنّه يبدو قريبا من الحقيقة، ويعبّر عن الواقع المؤلم؛ فحينما يفتح المشعوذون فضائياتٍ للكهانة والعِرافة والتنجيم، تجني أرباحا ضخمة، بلا حسيب أو رقيب، وترُوج تجارة السَّحرة والدجّالين في بلداننا ويتحوّلون إلى مليارديرات في حين يعاني أساتذة الجامعات والمثقفون وغيرُهم من شظف العيش، وعندما “يحصد” عمالُ النظافة، في كل مرة، أكياسا هائلة من التمائم وأعمال السِّحر المدفونة في المقابر للتَّفريق بين الأزواج، وتدمير العائلات، وتحطيم حياة الناجحين، حسدا وحقدا من المرضى نفسيا، ومن دون أيّ خوف من الله الذي توعّد مرتكبي هذه الموبقات بالويل والثبور.. حينما يحدث كل ذلك، فإننا نتأكد تماما أنّ مجتمعاتنا مريضة فعلا، وأنّ عالم الاجتماع الفرنسي أوغست كونت لم يتجنَّ عليها يوما حينما قال إنها لا تزال غارقةً في التفكير الخرافي، ومن ثمّة لا يمكنها أن تتطوّر لأنّ بينها وبين التفكير العلمي الذي بلغته المجتمعاتُ المتقدِّمة بونًا شاسعًا.

وبالمناسبة، ينبغي أن نؤكّد أنّ العقوبات المقرَّرة بشأن المشعوذين في بلدنا غير ردعية بالمرّة؛ إنّ قضاء المشعوذ بضع سنوات سجنا ثم خروجه ليستمتع بالملايير التي جمعها من المغفلين والحاقدين والمرضى نفسيا، هي عقوبةٌ هيّنة بنظره، ولا تردعه عن استئناف جرائمه بحقّ المجتمع، ومواصلة تقديم “خدماته” المدمِّرة للأفراد والعائلات، ولذلك لابدّ من التصرّف على طريقة إعادة النظر في العقوبات المقرَّرة على المضاربين، والتي تصل إلى 30 سنة سجنا، فهي عقوبة رادعة ساهمت في تحجيم آفة المضاربة إلى أدنى الحدود وإن لم تقضِ عليها. في حالة الشعوذة، فإنّ عقوبة الإعدام ستكون عادلة للمشعوذين ورادعا قويًّا لهم، وهي بالمناسبة متوافقة تماما مع الشرع الذي يأمر بقتل المشعوذ فورا وعدم استتابته، فلا توبة لمن لطّخ كتاب الله بالنجاسات، والعياذ بالله، مع ضرورة تنفيذ الأحكام لحماية المجتمع وتطهيره من هذه الفئة الهدّامة، علما أنّ تنفيذَ أحكام الإعدام مجمَّدٌ منذ 30 سنة كاملة، ما جعل الجريمة بمختلف أشكالها ومظاهرها تستشري كالنار في الهشيم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!